في الأيام الماضية، نشرت 3 وكالات تابعة للأمم المتحدة تقريراً حول الوضع العام للنازحين السوريين في لبنان، يشير إلى أنه على الرغم التحسن في بعض الجوانب لا تزال حالتهم محفوفة بالمخاطر. ويلفت إلى أن 69% من عائلاتهم لا تزال تعيش تحت خط الفقر، في حين يعيش أكثر من 51% دون سلّة الحد الأدنى للانفاق البالغة 2.90 دولار في اليوم.
على المستوى المحلي، تواجه السلطات اللبنانيّة العديد من المعوقات في جهودها الهادفة إلى إعادة هؤلاء إلى بلادهم، في وقت تعمل بعض الأحزاب والتيارات على تقديم مبادرات على هذا الصعيد، ويؤكد مسؤول ملف النازحين في "حزب الله" النائب السابق نوار الساحلي، في حديث لـ"النشرة"، عدم الرضا عن النتائج التي تحقّقت حتى الآن، نظراً إلى أن أعداد العائدين لا تزال قليلة بالمقارنة مع المتواجدين، لكنه يعتبر أن هذا أفضل من لا شيء، طالما أن الدول لا تقوم بواجبها على هذا الصعيد، والحكومة لا تزال "تتدلّع" في موضوع التنسيق مع سوريا.
من جانبها، تشير مستشارة وزير الخارجية والمغتربين لشؤون النازحين ومنسّقة لجنة النازحين السوريين في "التيار الوطني الحر" علا بطرس، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن العائق الأساسي هو غياب سياسة موحدة على المستوى الحكومي، على الرغم من موافقة لبنان وإنجاحه المبادرة الروسيّة، عبر إنشاء اللجنة اللبنانية-الروسية المشتركة لتذليل العقبات، وأبرزها: التجنيد الإجباري (حصل الجانب الروسي من الجانب السوري على موافقة على إعفاء من يعود من الملاحقة القانونية لمدة 6 أشهر)، العفو عن المنشقّين عن الجيش بعد أن صدر عن الرئيس السوري بشار الأسد قانون العفو، مع العلم أن وزارة الدفاع الروسية تؤكد أن من أصل مليون مسجلين لدى مفوضية اللاجئين هناك 30 ألف ينطبق عليهم صفة المعارض الذي حارب النظام، والقانون رقم 10 الذي تمّ تجميده.
وفي حين يشدد الساحلي على أن الحزب مستمر في هذا العمل، حيث هناك دفعة من العائدين كل اسبوع أو اسبوعين، يشير إلى تراجع الإقبال في الوقت الراهن، نظراً إلى أن النازحين الذين لديهم أولاد أقدموا على تسجيلهم في المدارس، وبالتالي من المفترض أن تعود الوتيرة إلى الإرتفاع عند إنتهاء فصل الشتاء، ويعتبر أن على الحكومة المقبلة أن تضع ضمن أولوياتها هذا الملف، بسبب العبء الذي يشكله على لبنان، وبالتالي الإتصال بالحكومة السوريّة للعمل على إعادتهم بأعداد أكبر من الحالية، لا سيما أنه عندما يكون هناك إتفاق بين الحكومتين يصبح الأمر أسهل.
بدورها، تؤكد بطرس أن الجانب السوري قام بخطوات إيجابيّة وبات هناك قراراً على المستوى الرسمي بعودة النازحين، إلا أنها تشير إلى أن العقبة في لبنان، ويجب أن يكون في الحكومة المقبلة وزارة للنازحين تقوم بواجباتها، بعد أن كانت في المراحل السابقة غائبة، وتشدد على أن لبنان مع العودة الآمنة للراغبين في ذلك، لكنها تلفت إلى أن هذا الملف متشعب ويجب تطبيق القوانين، خصوصاً أن 74% من النازحين ليس لديهم إقامات قانونية، كما أن هناك من هو نازح لكن يعمل في لبنان، وتؤكد أن لدى وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل و"التيار الوطني الحر" خطّة لإعادتهم بشكل متدرج على مراحل، بما يؤدي إلى حماية السيادة ويؤمن لهم العودة الكريمة.
على صعيد متصل، يرى مسؤول ملف النازحين في "حزب الله" أن ربط هذا الموضوع بالحل السياسي يوحي بأن المطلوب عدم عودتهم في المدى القريب أو المتوسط، خصوصاً أن هذا الحل قد يتطلب سنوات، بينما أكثر من 90% من الأراضي السورية باتت اليوم تحت سيطرة الحكومة، ويشير إلى أن أبرز المعوقات هي عمل بعض النازحين، بالإضافة إلى الإغراءات التي تقدمها بعض المنظمات الدولية، وبالتالي ليس لديهم من حافز للعودة، مع العلم أن الإحصاء الأخير لمفوضية اللاجئين أظهر أن أكثر من 88% من النازحين يرغبون بالعودة لكن المشكلة في الوقت، ويتمنى على المنظمات مساعدتهم في بلادهم.
وتكشف مستشارة وزير الخارجية أن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي يستخدمان هذا الملف كورقة سياسية في عملية التسوية، وتشير إلى أن باسيل حمّل وزير خارجية الفاتيكان بول غالاغر، بعد زيارة الوفد اللبناني الأخيرة، رسالة بأن لبنان كنموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط لن يستطيع الحفاظ على نسيجه المتنوع في ظل وجود مليون ونصف مليون من النازحين السوريين و500 ألف من اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي يجب البدء بالعودة لأن هناك من يستطيع فعل ذلك قبل الحل السياسي وخلاله.
وفي حين تلفت إلى أن العمل جارٍعلى إقناع الجانب الأوروبي بهذا الأمر، حيث هناك تفهما بأن لبنان لم يعد يستطيع الاحتمال، توضح بطرس أن الجانب الأميركي لا يهمه إلا إبعاد أي تدفق للنازحين عن أراضيه، ولذلك رفضوا التوقيع على إتفاق مراكش والإعلان العالمي لحقوق اللاجئين.
في المحصّلة، ملف النازحين من المفترض أن يكون بنداً أول في الحكومة المقبلة، لكن هل تنجح في إقرار سياسة موحدة، أم أن العراقيل السابقة ستكون حاضرة، مع العلم أن هناك تحولاً على مستوى الأزمة السوريّة، خصوصاً بالنسبة إلى رؤية العديد من الجهات الإقليمية والدولية؟!.