لم يرتق الموقف اللبناني الرسمي من اتخاذ اسرائيل مساء الثلاثاء طائرتين مدنيتين كانتا تحلقان في المجال الجوي اللبناني غطاء لطائراتها الحربيّة لقصف مواقع داخل الاراضي السوريّة، الى الحدّ الأدنى المطلوب لتفادي تكرار هكذا حوادث قد تؤدي الى كوارث في حال استخدام دمشق أنظمة الدفاع الجويّة. فالاكتفاء بالدعوة الى تقديم شكوى عاجلة الى مجلس الأمن ستضاف الى عشرات لا بل مئات الشكاوى اللبنانيّة من خروقات اسرائيليّة متواصلة سواء برا أو بحرا أو جوا، لن يردع اسرائيل التي باتت تستسهل استخدام الأجواء اللبنانية لقصف أهداف في سوريا من تكرار عملياتها هذه في ظلّ انعدام القدرات الدفاعية اللبنانيّة في هذا المجال.
وبالرغم من إشارة وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال يوسف فنيانوس في البيان الذي أصدره بعيد اتصاله برئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الى أن "لبنان سيتخذ القرار الذي يحميه ومدنييه"، الا أنه حتى الساعة لم تصل أيّ اشارات بخصوص استعداد المسؤولين اللبنانيين لتحركات دوليّة للتصدّي لتعريض اسرائيل الطيران المدني في الأجواء اللبنانية للخطر.
ويعتبر العميد المتقاعد والخبير العسكري والاستراتيجي أمين حطيط أن هناك 3 خيارات يمكن أن تلجأ اليها الدولة اللبنانيّة للتعامل مع الملفّ أبرزها الدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، متسائلا: "هل تستدعي الأنفاق جلسة لمجلس الأمن ولا يستدعي تعريض حياة مئات المدنيين للخطر لجلسة مماثلة"؟! ويشير حطيط الى خيار ثان يمكن اللجوء اليه الا وهو الطلب من الولايات المتحدة والدول الغربيّة التي تردّد بشكل مستمرّ تمسّكها بالجيش وبالاستقرار في لبنان، بأن تردع اسرائيل وتمنعها من تكرار هذه الأفعال، وفي حال لم تستجب هذه الدول للطلب اللبناني، فعندها الخيار الوحيد الاستجابة للهبة الروسّية والاهم الايرانيّة التي تلحظ تزويد لبنان بمنظومة دفاع جوي.
ولا يستطيع لبنان تفادي استخدام اسرائيل الطائرات المدنيّة غطاء لتنفيذ ضربات جوية مقبلة، وفق نقيب الطيارين محمود حوماني الذي قال أن الطائرات المدنيّة قادرة على استشعار وجود طائرات أخرى مماثلة قريبة منها في الجو لكنها غير قادرة في كثير من الأوقات على تحديد وجود طائرات عسكريّة مقاتلة باعتبارها سريعة جدا. وأشار حوماني الى أن اسرائيل لا شك تستطيع تبيان وجود طائرات مدنيّة في المجال الذي تستخدمه للقصف، لكن مديريّة الطيران في مطار بيروت غير قادرة على اتّخاذ أيّ تدابير باعتبار أنه لا يمكن تحديد الزمان الذي تختاره اسرائيل لتوجيه الضربات او الموقع، علما أن كل الأجواء اللبنانية يجب أن تكون محظورة عليها.
ويؤكد رئيس مركز "الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري–انيجما" رياض قهوجي أن العمليات التي تنفذها اسرائيل من الأجواء اللبنانية تشكل خطرا على الملاحة الجوية سواء في لبنان أو سوريا، "اذ أن مجرد تشغيل الطائرات الاسرائيلية المهاجمة أجهزة التشويش لتفادي اصابتها بالصواريخ، فالنظام يقطع ارسال أجهزة الملاحة والاتصالات عن الطائرات المدنيّة بشكل كامل ما يشكل خطرا عليها". ويشير قهوجي الى ان "الطرف الروسي منزعج من عدم التنسيق الاسرائيلي معه بخصوص العمليّات ضد الأهداف الايرانيّة في سوريا، وعدم تنفيذ تل أبيب عمليّات مباشرة من الأجواء السوريّة، كي لا تكون مضطرّة لأن تعطي انذارا للقوات الروسيّة بخصوصها، لخشيتها من أن تبلغ هذه الأخيرة النظام السوري وحلفائه بشأنها، فتحرص على تنفيذها من الأجواء اللبنانيّة".