لم تستقر معدلات الأمطار المتساقطة على لبنان، ولم تتجه باتجاه واحد، لا صعودا ولا هبوطا، ما يدحض كل نظريات "التصحّر" التي يعد بها البعض. تتبدل هذه المعدلات مع تبدّل السنوات، الأمر الذي تُظهره الرسوم البيانية لخمسين عاما الى الوراء. شتاء هذا العام يوحي بالكثير من الخيرات، ونسب المتساقطات حتى تاريخ كتابة هذا التقرير تؤكد ذلك، فكيف ينعكس ذلك على القطاع الزراعي؟.
بلغت كمية المتساقطات في بيروت هذا العام 321 ملم، بينما سجلت العام الماضي في مثل هذا التاريخ 150 ملم، في حين يبلغ المعدل العام أي معدل المتساقطات منذ بداية أيلول حتى تاريخ كتابة هذا التقرير لثلاثين عاما الى الوراء 315 ملم. في طرابلس بلغت هذا العام 487 ملم بينما العام الماضي 279 ملم، والمعدل العام 316 ملم. كذلك في زحلة 272 ملم مقابل 109 ملم العام الماضي، 201 ملم كمعدل عام. هذه الأرقام تُظهر الكمية الكبيرة من المياه التي تساقطت على الأراضي اللبنانية، علما أن العام الماضي لم يكن سيئا لناحية نسب المتساقطات إنما تأخر فصل الشتاء عن موعده المفترض، مع العلم أننا حتى الان تخطينا المعدل العام.
يقول خبراء الطقس أن الشهر المقبل سيحمل مزيدا من الخيرات الى لبنان. لجهة الأمطار والثلوج، فالمؤشرات المناخيّة التي تحدّد طريق المنخفضات الجويّة تصبّ في مصلحة منطقتنا، بعد ان كانت ضدها الشتاء الماضي. كل ذلك بحسب الخبراء يؤكد أن شتاء 2018-2019 سيكون قاسيا. من هنا لا بد من التأكيد على أن عامل المناخ هو من أكبر العوامل الطبيعية تأثيرا في تحديد أنواع المحاصيل، حيث يحدد المناطق التي يمكن زراعتها بمحاصيل معيّنة، والأمطار تشكل الجزء الرئيسي للعوامل المناخيّة المؤثرة، الى جانب درجات الحرارة بطبيعة الحال، التي تتحكّم بحسب المهندسة الزراعية نور شمس الدين بنوع الزراعات.
وتضيف شمس الدين في حديث لـ"النشرة": "يجب ألاّ تقل درجة الحرارة عن حدّها الأدنى اللازم لمحصول معيّن أثناء فصل النموّ، فلكلّ محصول درجة حرارة مفضّلة لنموّه، لذلك فإن انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء هذا العام عن مستواها الطبيعي قد يؤدي الى تضرر المحاصيل". وكما تلعب الحرارة دورا كبيرا في تحديد الـ"غلّة"، كذلك الأمطار التي تشكل بحسب شمس الدين المصدر الرئيسي للمياه العذبة اللازمة للنبات.
وتتابع أنّ "من البديهي أن تحتاج الزراعات الى المياه ولو بكميات متفاوتة، وبالتالي فإن تساقط الأمطار بنسب مرتفعة هو امر جيد من حيث المبدأ للمحاصيل ولتغذية المياه الجوفية والآبار التي تستخدم للريّ صيفا وفي أيام الشحّ، ولكن ليست كميّة المطر دليلا على نجاح الزراعة، إذ المهم أن تسقط الأمطار في الوقت الذي يناسب المزروعات، مشيرة الى أن المتساقطات الكثيفة في وقت قصير تكون مضرّة لانها تتسبب بالسيول التي تجرف التربة ولا تعطي الوقت اللازم للأرض لامتصاص حاجتها من الماء، وبالتالي فإن الأمثل للري هي تلك الهادئة التي تتساقط على فترات طويلة.
شهد لبنان هذا العام تطرّفا في الامطار، اذ تكونت السيول بقاعا أكثر من مرّة، الأمر الذي تسبب بأضرار كبيرة للمزروعات، ويُتوقع أيضا أن تتكرر هذه السيول مجددا، لذلك قد يكون مطلوبا من المزارعين التنبّه لعدم وجود أراضيهم في مرماها، وبحال وُجدت ينبغي عليهم حماية أراضيهم عير تغيير مجرى السيول، الى جانب واجب الدولة بتأمين طريق السيل وإزالة العوائق التي قد تبدّل طريقه. وهنا تؤكد شمس الدين أن أبرز ما يجب أن تقوم به الدولة لحماية المزروعات هو باعتماد سياسة التشجير التي تمنع انجراف التربة وتخفّف السيول وتحسن مناخ المنطقة.
لا شك أن الامطار نعمة من السماء، ولكن هذه النعمة بحاجة الى استثمارها بطريقة سليمة لكي لا تتحول الى نقمة على المزارعين الذين ينتظرون تحصيل ما زرعوه لتأمين لقمة العيش.