مُسلسل التضليل الإعلامي لغايات تجاريّة مُستمرّ، حيث تتنافس محطّات التلفزة عشيّة ​ليلة رأس السنة​ على إستضافة بعض الأسماء التي إشتهرت في عالم "​التنجيم​" المزعوم. وبعد أن إنكشف زيف هذه ​التنبؤات​ وإستنادها إلى معلومات وتحاليل صحافيّة وتكهّنات شخصيّة لا غير، وبعد أن توسّع عدد الأشخاص الذين يسخرون من هذه الظواهر، صار "المُنجّمون" يعتمدون أسلوب إلقاء مئات التوقّعات الصغيرة والسريعة، بحيث لا يُمكن حفظها من قبل الرأي العام، وبحيث يسهل على محطات التلفزة القيام بعمليّات "المونتاج" المطلوبة لتسليط الضوء على بضع عشرات من "التنبؤات" التي تحقّقت (وهي في أغلبيّتها معلومات صحافيّة وتحاليل)، من أصل المئات التي لم تتحقّق!.

وعلى الرغم من أنّ هذه الظاهرة لن تتوقّف، بسبب تأمينها مداخيل ماليّة عالية لأكثر من جهة، من واجب كل صحافي يحظى بمساحة إعلاميّة للتعبير عن رأيه، العمل على فضح هذه الظواهر الشاذّة، وتوعية الرأي العام لمخاطرها، خاصة وأنّ بعض العاملين في هذه الظاهرة أصبحوا يتمتّعون بالحنكة اللازمة والخبرة التي تحميهم من السقطات، عبر إطلاق "تنبؤات" هي عبارة عن قراءات سياسيّة للأحداث، وإيهام الجُمهور أنّها "تنبؤات". وفي كلّ الأحوال، لا بُدّ بداية من التذكير سريعًا ببعض "التنبؤات" العظيمة، والتي لم تتحقّق بالطبع:

بالنسبة إلى "تنبؤات" السيدة ليلى عبد اللطيف لعام 2018، فبعضها جاء فيه: "حزب الله خارج سوريا والمُهمّة أنجزت"، "إستقالة بعض الوزراء من الحُكومة الحالية"، "تيمور جنبلاط في زيارة مفاجئة إلى سوريا"، "رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يزور سوريا ويلتقي الرئيس بشار الأسد على رأس وفد كبير من القوات"، "يد الغدر تطال إحدى الشخصيّات الوزاريّة"، "مقتل إعلامي بارز ومعروف على باب منزله"، "لقاء سيجمع رئيس القوات وأمين عام حزب الله (السيّد حسن نصرالله)، ولقاء آخر سيجمع الرئيس السابق أمين الجميل ونجله النائب سامي مع السيّد حسن نصر الله"، إلى ما هناك من توقّعات فاشلة والتي لا مجال لذكرها كلّها.

بالنسبة إلى "تنبؤات" السيد ميشال حايك لعام 2018، فبعضها جاء فيه: "حادث مُثير بأحد مصاعد لبنان"، "ما سنشهده في مطار بيروت لن يكون خاتمة الأحزان"، "وجه إعلامي يُواجه عمليّة خطف وإبتزاز"، "مفاوضات مع الحُكومة السُورية حول مسألة عودة النازحين وملفات أخرى"، "بداية إنتفاضة في سجن رومية لا تُشبه أي إنتفاضة سابقة"، "تطوّر جديد في قضيّة الإمام المُغيّب موسى الصدر ورفيقيه"، "عُقاب صقر عرضة لأكثر من حادثة وحدث"، "الحزب السوري القومي الإجتماعي يدخل مرحلة الإنتقام"، "جديد الدولة اللبنانية: قانون إعدام محدود، إقرار قانون الزواج المدني..."، "بانتظار لبنان مجموعة خروقات: الخرق الأوّل إنفجار وإغتيال..."، "المحكمة الدولية تقول كلمتها في لبنان والإتهام لن يمرّ" "القضاء يُعلن الحداد إثر عمل مُدبّر وحادث"، "الشيخ بهاء الدين الحريري على الشاشة"، "سلاح حربي يُصيب إحدى الطائرات"، "أزمة السير ستشهد حلولاً على مرحلتين..."، "نقل مُشترك برّي وبحري وسكك حديد فوق الأرض وتحتها..."، إلى ما هناك من توقّعات فاشلة والتي لا مجال لذكرها كلّها.

إشارة إلى أنّ الجُمهور العريض يتحمّل جزءًا من إنتشار وتوسّع هذه الظاهرة، عن قصد أو عن غير قصد، حيث أنّ بعض الأشخاص يُتابعون حلقات "التنجيم" من باب التسلية والمرح، والبعض الآخر يتناقل "التنبؤات" المزعومة من باب السخرية والتهكّم وتبادل النكات، الأمر الذي يُساهم في تعميم هذه الظاهرة، تحت شعار "الجُمهور عاوز كده". لكن ما هو مطلوب في الواقع هو رفض مُتابعة هذا النوع من البرامج، ومُقاطعة المحطّات التي تستضيف شخصيّات تسخر من عُقول العامة، والفئات غير المُثقّفة بالتحديد، لتحقيق مكاسب ماليّة طائلة لها وللمحطات التي تستضيفها. ويجب أيضًا مُطالبة محطّات التلفزة، خاصة الطليعيّة منها والمتابعة من قبل جُمهور عريض، ببثّ برامج ترفيهيّة وموسيقيّة تناسب أجواء ليلة رأس السنة، كما كان يحصل في السابق قبل بروز هذه الظاهرة الشاذّة.

في الخُلاصة، لا يُمكن إنكار حقّ محطات التلفزة أن تبثّ ما تراه مناسبًا لمصالحها التجاريّة والمالية، ولا إنكار حقّ بعض الأشخاص إمتهان ما يرونه مناسبًا من أعمال تُحقّق لهم الشُهرة والمال الوفير بسرعة، لكن من الضروري أن يتحلّى الناس بحدّ أدنى من الوعي والثقافة، بشكل يجعلهم في منأى عن خدع سمعيّة وبصريّة تلعب على أحاسيسهم وعلى غريزة الإنسان التي تحلم بمعرفة الغيب، ويدفعهم إلى المُساهمة في التضييق على "ظاهرة التنبؤات" المُضلّلة، عبر مُختلف الوسائل المُتاحة.