على الرغم من الآمال الكبيرة التي عُلّقت على قانون السير الجديد، الذي أقر في مجلس النواب قبل نحو 3 سنوات، لا تزال حوادث السير من أبرز الأزمات التي تواجه المجتمع اللبناني، في ظل الإرتفاع المستمر في عددها.
قبل نهاية العام 2018، أعلنت غرفة التحكم المروري في قوى الأمن الداخلي عن إحصاء 4551 حادث سير في تلك السنة، أسفروا عن سقوط 495 قتيلاً و5948، في حين كان قد سجل في العام السابق 4053 حادثاً أدّى الى سقوط 513 قتيلاً، ما يعني تراجعاً في عدد الضحايا بالرغم من إرتفاع عدد الحوادث، إلا أن بداية العام الجاري توحي بأن الأمور لن تكون أحسن حال حيث سجل في اليوم الأول فقط 29 حادثاً نتج عنهم سقوط ثلاثة قتلى و35 جريحاً.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة لهذا الملف، عبر "النشرة"، إلى أن ما يحصل على الطرقات اللبنانية أمر "طبيعي"، نظراً إلى أن سلامة المواطنين ليست أولوية في أيّ سياسة حكوميّة، بالإضافة إلى غياب الخطط والإستراتيجيّات التي تحدّ من حوادث السير، ما أدى لعدم تطبيق قانون السير بالشكل المطلوب، وإلى أن تكون الطرقات اللبنانيّة غير آمنة بسبب غياب الصيانة.
وتلفت هذه المصادر إلى أن الهدف الأساس من قانون السير كان الحد من عدد الحوادث، إلا أن هذا الأمر لم يحصل لأنّ المطبّق هو الشقّ المالي فقط (الغرامات)، موضحة أنّ أهميّة السلامة المروريّة، في القانون، جاءت من خلال ما يعرف بإدارة السلامة المروريّة، أيّ وجود جهّة تكون مسؤولة عن هذا الملفّ تنسق بين الادارات والوزارة وتضع الخطط والإستراتيجيّات وتسهر على تطبيقه، وهي المجلس الوطني للسلامة المروريّة واللجنة الوطنيّة للسلامة المروريّة.
من جانبه، يؤكد مدير الأكاديميّة اللبنانية الدولية للسلامة المروريّة كامل إبراهيم، في حديث لـ"النشرة"، أنه لا يستغرب ما يحصل على الطرقات اللبنانية، في ظل غياب الإدارة المسؤولة عن هذا الملف، ويشدد على أن لا شيء يوحي بتغيّر هذا الواقع في العام الجديد طالما أن المعالجة خاطئة، ويشير إلى أنه لا يمكن الإستمرار بالنهج الذي كان قائماً في السنوات الماضية.
ويشدّد إبراهيم على أنّ هذا الملف بحاجة إلى قرار جدّي من قبل الحكومة لمعالجته، ويرى أن غياب القرار السياسي الضروري يعني إستمرار الواقع على ما هو عليه، ويوضح أن هذا المعالجة تفترض أن تكون على مستوى تطبيق القانون وصيانة الطرقات ودراسة أسباب الحوادث، بالإضافة إلى تشكيل مرصد للسلامة المرورية، ويلفت إلى أن الأرقام التي صدرت عن غرفة التحكم المروري أوليّة لا نهائية، حيث يشير إلى أن الرقم المعلن لعدد الضحايا سيرتفع أكثر عند الإنتهاء من تجميع كامل "الداتا"، ما يعني إرتفاع عدد القتلى عن العام 2017، ويضيف: "من هنا تأتي ضرورة إعادة النظر في كيفيّة معالجة هذه الأزمة، التي باتت تحتاج إلى صيغة جديدة، مع الأخذ بعين الإعتبار أراء المختصين في هذا المجال".
في الإطار نفسه، يشير إبراهيم إلى أن القانون وضع المسؤولية عن إدارة هذا الملف لدى المجلس الوطني للسلامة المروريّة، الذي يتألف من وزراء الداخلية والبلديات، الأشغال العامة والنقل، العدل، والتربية والتعليم العالي، وهو برئاسة رئيس الحكومة، وبشكل أساسي عند أمانة السر، التي لا تملك القدرات اللازمة حتى الساعة، حيث من الضروري وجود مرصد للسلامة المرورية، وبعد ذلك يمكن القول أن العمل بات يعتمد على أسس علميّة، ويضيف: "عندها يكون لدينا مجلس حكومي مصغر للسلامة المروريّة يرصد إعتمادات لمختلف الادارات ضمن خطة واضحة، ويكون هناك متابعة يومية لهذا الملف من قبل هذه الإدارة".
في هذا الإطار، يوضح أمين سر المجلس الوطني للسلامة المروريّة رمزي سلامة، في حديث لـ"النشرة"، يلفت إلى أن القانون يعطي المجلس صلاحيات واسعة تقريريّة، بصفته مجلس وزراء مصغّر مسؤول عن أمور السير والسلامة، ويشير إلى أن التعثّر الحكومي يؤثّر على عمل المجلس، خصوصاً أن أمانة السر هي بمثابة الذراع التنفيذيّة لهذا المجلس، وهي تتولى تحضير مشاريع القرارات وتقديمها له، وبعد ذلك تتابع تنفيذ هذه القرارات مع الادارات المعنيّة، وبالتالي العمل لا يصل إلى خواتيمه حتى الآن بالرغم من وجود قرارات حضّرتها أمانة السير.
ويوضح سلامة أنه عند تسلمه مهامه قام بتحليل قانون السير، حيث وجد حاجة لنحو 120 قرار (تصل اليوم إلى 140) لتطبيق القانون كما هو مفترض، خصوصاً أنها قوانين مرتبطة يتجاوز عمرها ما يقارب 50 عاماً، ويضيف: "نحن حاضرون لقرارات كثيرة، وعند تشكيل الحكومة سنقدّم خطّة إلى المجلس الوطني، على أن نعمل لاحقاً على متابعتها".
على صعيد متّصل، يلفت أمين سر المجلس الوطني للسلامة المرورية إلى تقدم في مختلف الأمور، إلا أنه يوضح أن التطبيق يحتاج إلى موارد بشرية لم تحصل عليها أمانة السر حتى اليوم، ويعطي مثالاً على ذلك التربية على السلامة المرورية حيث تحضر للمنهج وكيفية توزيعه على المراحل التعليميّة، إلا أنه يحتاج إلى وجود شخص متفرغ للعمل مع وزارة التربية والمجلس الوطني للبحوث والدراسات، ويشير إلى أن السبب في عدم الحصول عليه يعود إلى البيروقراطيّة الموجودة في الدولة اللبنانيّة، ويوضح أن القانون يتحدث عن وجود جهاز إداري وتقني يساعد أمين السر، إلا أنه التقني منه غير متوفّر بينما هناك 3 موظفين فقط في الجهاز الإداري، مع العلم أن الأساس في العمل هو الشقّ التقني، واليوم أمانة السر تتكل على العمل التطوّعي، بينما هي بحاجة إلى متفرّغين بشكل كامل.
في المحصّلة، يؤكد سلامة وجود إهتمام من قبل المسؤولين بالسلامة المروريّة، لكن هذا الإهتمام لا يزال دون ترجمة بسبب التعثر في إيجاد المختصّين القادرين على تحقيق التغيير الفعلي، ويلفت إلى أنه من جهة أخرى ليس هناك من طلب مجتمعي واضح على السلامة المرورية، وبالتالي على المواطنين رفع الصوت على هذا الصعيد، ويشير إلى أنه في الدول المتقدّمة نلحظ وجود خطة إنقاذية تكلف بها مجموعة من الأشخاص لتحقيق إنجازات واضحة، لكن في لبنان لم نصل إلى هذه المرحلة.