في شهر تشرين الأول من العام 2011 اتخذ المجلس الوزاري في جامعة الدول العربية قراراً قضى بتجميد عضوية الجمهورية العربية السورية في الجامعة العربية وذلك بعد موافقة معظم الوزراء المشاركين وبتحفظ من العراق والجزائر.
لكن وزير الخارجية اللبنانية آنذاك عدنان منصور وقف موقفاً مشرفاً حيث بادر للانتفاض معلناً اعتراض لبنان ورفضه قرار الجامعة ما يعني بطلان قرار تجميد عضوية سورية بالجامعة وذلك بالاستناد إلى المادة رقم 18 من ميثاق الجامعة الذي نص صراحة على عدم جواز اتخاذ أي قرار على هذا المستوى إلا بعد حصول الإجماع الكلي في التصويت.
ومن المفارقات التي رافقت رفض لبنان المتمثل بوزير خارجيته أنه وقف وحيداً في تلك الجلسة موجهاً كلامه إلى الأمين العام للجامعة العربية آنذاك نبيل العربي حيث قال منصور: إن قرار الجامعة بتجميد عضوية دولة عربية مثل سورية العضو المؤسس في جامعة الدول العربية هو سابقة خطيرة سيكون لها ارتدادات بالغة السوء على مستقبل العلاقات العربية كما أن مثل هذا القرار سيحرم الدول العربية من ثقل دولة بمستوى سورية ما يخلق هوة سحيقة بين العرب يصعب ردمها.
وأضاف منصور: إنه قرار جائر وباطل شكلاً وقانوناً وإن لبنان يعلن رفضه هذا القرار جملة وتفصيلا، وختم منصور كلامه متوجهاً إلى الأمين العام للجامعة: إن مسؤوليتكم أمام اللـه والتاريخ تسجل عليكم أنكم نفذتم أوامر خارجية وأنكم خرقتم ميثاق الجامعة وأوغلتم في ظلمكم لدولة عربية اسمها الجمهورية العربية السورية.
رد الفعل السوري على القرار جاء على لسان مندوب سورية لدى جامعة الدول العربية يوسف أحمد حين قال: إن قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سورية «غير قانوني ومخالف لميثاقها ونظامها الداخلي»، وأكد حينها أن قرار الجامعة «ينعى العمل العربي المشترك وإعلان فاضح أن إدارتها تخضع لأجندات أميركية غربية تنفذها دول خليجية».
في الحقيقة أردت سرد بعض الوقائع التي رافقت قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سورية للانطلاق من تلك الوقائع وإسقاطها على الواقع العربي المتخبط بأزماته وازدياد حدتها وخصوصاً بعد قرار الجامعة بتحميد عضوية سورية، الأمر الذي سبب المزيد من التغول في نفق الضياع العربي المظلم الناتج عن اختفاء أي دور عربي فاعل على مختلف الساحات وفي مختلف المحافل، مسبباً سقوط مئات آلاف القتلى والشهداء والجرحى والمشردين عدا تفكيك المجتمع العربي إضافة إلى خسارة الموقف العربي ولو كان بالحد الأدنى، فالعراق وسورية واليمن وليبيا والسودان وحتى مجلس التعاون الخليجي الآخذ بالتفكك كل ذلك جعل من الواقع العربي السيئ أصلاً أكثر سوءاً وخصوصاً بعد غياب الدور السوري الفاعل لأن دمشق كانت ولم تزل الميزان والمرجع والضامن والناظم للعلاقات العربية.
اليوم وبعد سبع سنوات عجاف من التآمر والتدمير والخراب على سورية أدركت جامعة الدول العربية كما هو الحال مع الدول الأعضاء بالجامعة أن دمشق انتصرت على مؤامراتهم وكسرت سيوفهم المسمومة وأنهم هم أنفسهم هزموا وأنهم فشلوا بكل محاولاتهم لتركيع سورية العروبة وأنهم هم أنفسهم ركعوا وأن قرار الجامعة أوقعهم بالخطأ الفادح وأنهم ذوبوا أنفسهم بالسياسة الأميركية التي سلبتهم أموالهم وكراماتهم وقرارهم وجعلتهم ألعوبة وعبارة عن صفر في المعادلة لا تأثير لهم، يعانون فراغاً كبيراً على مستوى القرار الإقليمي والدولي، وهذا ما دفع أحد وزراء الخارجية من الذين شاركوا بقرار الجامعة الجائر بحق سورية 2011 إلى القول: ليت الندم ينفع لأنهم غرروا بنا وكنا ألعوبة خانعين أمام إرادة قطر والسعودية والإمارات، وأضاف: لو بقيت سورية بالجامعة ولم نتآمر عليها لكان الوضع العربي أكثر تماسكاً ولما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وختم وزير الخارجية ذاك قائلاً: إنها لعنة تآمرنا على سورية وإننا ساقطون لا محالة وتمتم مردداً: إننا مذنبون إننا مذنبون.
وبينما يتهافت العرب للعودة إلى العروبة الأصيلة من خلال إعادة فتح سفاراتهم في دمشق عاصمة العروبة وبوابتها، فإن لبنان يواجه جدلاً حول ضرورة توجيه الدعوة إلى الجمهورية العربية السورية للمشاركة في القمة الاقتصادية المزمع انعقادها في 20 من الشهر الحالي بالعاصمة اللبنانية بيروت، بعض الجهات السياسية الرسمية المعروفة في لبنان تدعي أن الجهة الوحيدة المخولة توجيه الدعوة للمشاركة في القمة الاقتصادية هي جامعة الدول العربية وأن لبنان الرسمي لا يملك حق توجيه الدعوة إلى سورية إلا من خلال الجامعة العربية.
طبعاً أن تلك الجهة السياسية اللبنانية المعروفة المقاصد لا تريد إغضاب تلك الدول التي مولت ودفعت ثمن سكوت الدول التي شاركت في قرار الجامعة العام 2011 بيد أن أولئك نسوا موقف لبنان الرافض والمعترض على قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سورية وفاتهم أن مثل هذا الرفض هو حجة قانونية بإمكان لبنان الرسمي الاستناد إليها بتجاوز قرار الجامعة في 2011 الباطل أصلاً وغير القانوني الفاقد للشرعية وهو خرق فاضح لميثاق الجامعة العربية.
وبهذا يمكن للبنان الرسمي بالاستناد إلى تلك الحجج القانونية توجيه رسالة إلى مجلس الجامعة العربية يعرض فيها تلك الحجج القانونية وبناء عليه يمكنه أيضاً توجيه رسالة عاجلة إلى مجلس الجامعة وليطلب الدعوة إلى الاجتماع العاجل على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة بند واحد وهو ضرورة عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة ومن ثم اعتبار قرار نبيل العربي وشركاه في العام 2011 قراراً باطلاً.
إن المصلحة اللبنانية توجب الإسراع بالسعي الدؤوب وبذل الجهد اللازم على مختلف الصعد والمستويات وفي أروقة الدبلوماسية العربية والعمل على توجيه الدعوة رسمياً إلى الجمهورية العربية السورية وذلك لضمان مشاركتها في القمة الاقتصادية، سواء عادت سورية للجامعة العربية أم تأخرت عودتها.
إن أي قمة اقتصادية كانت أم سياسية من دون مشاركة سورية سيرتد سلباً على لبنان لأنها ستكون قمة باهتة وناقصة المفاعيل وفاقدة للجدية فالمتوقع أن تكون إعادة إعمار سورية بنداً أساسياً في القمة وغياب سورية سيرتد على لبنان بالسوء ويحرمه العديد من المزايا التي يمكنه الاستفادة منها نظراً لترابط لبنان وسورية سياسياً واقتصادياً وجغرافياً واجتماعياً وعلى مختلف المستويات.
إن مشاركة سورية في القمة الاقتصادية سيزيد من زخم القمة ويجعلها علامة فارقة على صعيد مبادرة لبنان بإعادة العلاقات العربية ولو من بابها الاقتصادي.
إن العرب والعالم كلٌ وجد مصلحته بالهرولة نحو سورية، أما لبنان الجار القريب هو أولى من غيره بتجاوز كل العوائق التي أثبتت هشاشتها وبطلانها، ولبنان الرسمي معني بذلك.
بناء على ما تقدم، وللجهات الرسمية في لبنان نقول: إن توجيه الدعوة إلى الجمهورية العربية السورية للاشتراك في القمة الاقتصادية ضرورة تصب في مصلحة لبنان وواجب لبناني وذلك لتجنب الندم ولتفادي أي خطأ تاريخي وحتى لا تكونوا شركاء في شهادة الزور.