تحدّثنا مطولا عن التداعيات السلبيّة للعاصفة الاخيرة على لبنان وما حملته من نعم تحوّلت لمصائب بسبب الاهمال المستشري في الدولة اللبنانيّة، ولكن لهذه العاصفة وما سبقها ما هو أهمّ وأبرز من مشكلة على طريق او انهيار حائط، فالأمطار الكثيفة التي وصلت الى حدود 200 ملم في غضون أيّام ساهمت بتفجّر العيون والينابيع في مناطق كثيرة، الأمر الذي يعني أن ثروة لبنان الوحيدة لم تضِع بعد.
تخطّت نسب المتساقطات هذا العام تلك التي سجلها العام الماضي، والمعدل العام أيضا، الأمر الذي ساهم بتفجّر ينابيع غابت لسنوات طويلة في منطقة وادي الحجير الجنوبيّة، يقول رئيس بلدية برج قلاويه محمد نور الدين، مشيرا الى أن العاصفة في الجنوب لم تحمل الأضرار بل حملت كل الخير وأعادتنا الى أيام البركة، فتفجرت معظم الينابيع التي يستفيد منها المواطن بالريّ والشرب، وتستفيد منها المنطقة سياحيّا وبيئيّا خصوصا بظلّ التنوّع البيئي الضخم الذي تحويه منطقة محميّة وادي الحجير.
ويضيف نور الدين في حديث لـ"النشرة": "ابرز الينابيع بالمنطقة هو رأس العين الذي كان سابقا يسيل من عام الى آخر، ونحن نتوقع هذا السنة إن استمر الخير أن يعود لسابق عهده"، مشددا على أهميّة الحفاظ على هذه الثروة ومنع تلويثها، الأمر الذي بدأت العمل عليه بلديّات وادي الحجير وادارة المحميّة. ويقول: "نقوم بنشر التوعية والتوجيهات ونحاول وقف التعدّيات على حرم الينابيع، سواء المبنيّة او المحفورة، ونمنع تحويل بعض مجاري الينابيع او إلغاء المجاري، كذلك نقوم بدراسات لتحديد الأماكن الأنسب لحفر الأبار الارتوازيّة"، مشددا على أن منطقة الحجير كانت خضراء وستبقى كذلك.
من جهته يشدّد رئيس مصلحة الحوكمة في مصلحة نهر الليطاني المهندس نسيم أبو حمد على أهميّة الينابيع من حيث تقديمها للمياه او لناحية الدلالات التي تقدمها، مشيرا الى أن خروج المياه الجوفيّة الى سطح الارض على شكل ينابيع وعيون لا يعني أن الطبقة الجوفيّة للأرض قد امتلأت بالمياه بل يعني أن الطبقة الجوفية القريبة من سطح الأرض قد امتلأت. ويضيف أبو حمد في حديث لـ"النشرة": "هذه الطبقة تشبه الاسفنجة اذ كلما زادت فيها كميات المياه كلما فاضت مياهها"، مؤكدا ان كميات الأمطار المستاقطة وإن كانت قد عوّضت النقص الذي حصل في لبنان بالأعوام الماضية الا انها لم تصبح كافية بعد لملء الطبقات الجوفيّة العميقة.
يرى ابو حمد أن الشتاء الحالي دليل خير على لبنان، مشيرا الى انه اذا أكمل الموسم الشتوي على نفس المستوى فسيكون لنا رصيد مياه كاف للأعوام المقبلة بحال عاد نقص المتساقطات مجددا. ويضيف: "الأهم من نسب المتساقطات وتفجر الينابيع هو استغلال هذه المياه، أي ألاّ ندعها تذهب هدرا الى البحر". وفي هذا السياق يكشف أبو حمد أن الينابيع في منطقة البقاع مثلا تذهب الى بحيرة القرعون التي يُستفاد منها في عملية الريّ، وبعض الينابيع يُستفاد منها في تأمين مياه الشفة، مشددا على أننا لا زلنا نعاني بقدرتنا على دراسة مياهنا الجوفيّة بشكل كامل وقياس الطبقة الجوفيّة، داعيا لان يكون لنا القدرة على إنجاز الميزان المائي في لبنان.
لم يصبح لبنان فقيرا بمياهه الجوفية، ولكن المشكلة هي بالمسؤولين عن هذه المياه وكيفية تعاطيهم معها، اذ يبدو اننا لم نقتنع بعد بأن المياه ستكون المورد الأغلى عالميا في وقت قريب جدا.