أظهرت القوى السياسية والزعامات والمواقع المسؤولة في الدولة وخارجها آراء متفاوتة ومتناقضة أحياناً حول القمّة الإقتصادية العربية، التي ستُعقد بعد عشرة أيام في بيروت، والتباينات تتصل بغياب سوريا وحضورها، وهو أمرٌ بلا شك يثير في لبنان إنقسامات سابقة وراهنة ويفتح جدلاً لا ينتهي.
إذا إبتعدنا عن الأسباب العقائدية أو التحالفات والخصومات الإقليمية، التي تتصل بها مواقف بعض الأطراف اللبنانية، وقاربنا المسألة بعيون لبنانية صافية، نكتشف أنّ للبنان مصلحة في انعقاد القمّة، كما له مصلحة في حضور سوريا. وسنكتشف أنّ دعوة سوريا، التي تشكّل مصلحة لبنانية من بوابة مواكبة المتغيّرات الجارية عربياً ودولياً من جهة، وبوابة المصالح المباشرة للبنان في حل قضية النازحين، والإستعداد لدور فاعل في ورشة إعادة إعمار سورية، مشروطة بموافقة عربية تصدر عن جامعة الدول العربية وليست قراراً يتخذه لبنان. وموقف لبنان، كما قال وزير الخارجية رئيس «التيار الوطني الحر»، بين السلبية أو الحياد أو المبادرة، كان المبادرة الى تحريك التشاور العربي حول الأمر، أملاً بالحصول على توافق عربي يتيح دعوة سوريا.
في نهاية المطاف، لبنان بغنى عن المزيد من الإنقسامات. وفي غياب الحكومة الناتج من عمق الإنقسامات، لا بدّ من البحث عن كيفية حماية الداخل اللبناني من المزيد من التوترات، عبر التوافق على ما يحقق الرضى للأطراف ومصلحة لبنان، وهو مخرج الحد الأدنى الذي يجب أن يتقبّله الجميع، انطلاقاً من استحالة أن يفوز في لبنان فريق على فريق ولا يخسر لبنان.
في كل قضية خلافية، نكتشف أنّ العودة الى الدستور وحدها طريق نجاة اللبنانيين من المزيد من التدهور في أوضاعهم، وأنّ تخطّي الدستور يفتح الباب نحو المجهول. ووفقاً للدستور، إنّ التعاطي في شأن القمّة من مسؤوليات رئيس الجمهورية.
فالذين يعتبرون حضور سوريا في القمّة مطلباً يفوق في أهميته مبدأ انعقادها، يجب أن يروا في سعي وزير الخارجية بتوجيه من رئيس الجمهورية، لبلوغ توافق عربي على هذا الحضور، مصدراً للرضى بترك الملف بيد رئيس الجمهورية، بانتظار ما تُسفر عنه الإتصالات. والذين يسجّلون إحتجاجهم على حضور سوريا، يجب أن يجدوا في عدم قيام لبنان بتوجيه الدعوة منفرداً، وربط موقفه بالتشاور العربي، ما يرضيهم، طالما أنّهم ينطلقون من التمسّك بتماسك لبنان مع التوافق العربي.
رئيس الجمهورية لم يكن يوماً طرفاً في خلفية عقائدية أو تحالف إقليمي، إلّا لحساب لبنان ومن موقع لبنانيته الصافية، وبهذا يستطيع، وبحكم موقعه الدستوري، أن يضمن للبنان موقفاً يعبّر عن المصلحة اللبنانية العليا، والتي تضمن إستقرار لبنان ومصالحه وحسن علاقاته بسوريا وبسائر العرب.
دعوتنا أمام هذا النقاش، وقد قال الجميع ما عندهم، وسمع رئيس البلاد أقوالهم، وتفهّم خلفياتها وتوقّف أمام ما فيها، أن يجنّبوا لبنان مزيداً من الإنقسام والتوتر، ودعوا الأمر الى رئيس البلاد، فهو المؤتمن على المصالح العليا للبنانيين، وهو المُمسك بناصية الحرص على وحدة لبنان واللبنانيين.