مرة جديدة يعود زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني إلى السعي لتلميع صورته أمام تركيا، على أمل أن يكون جزءاً من المفاوضات السياسيّة، من خلال دعمه العمليّة العسكريّة، التي تنوي أنقرة القيام بها، في شرق الفرات، ضد "قوات سوريا الديمقراطيّة"، بعد أن كانت الهيئة قد توصلت مع فصائل مقاتلة في محافظة إدلب ومحيطها، إلى اتفاق على وقف إطلاق النار نص على "تبعية كل المناطق" في إدلب ومحيطها لـ"حكومة الإنقاذ"، التي أقامتها "تحرير الشام" في المنطقة.
في هذا السياق، تُطرح الكثير من علامات الإستفهام حول رغبة الجولاني من هذا الموقف، لا سيما أنه يأتي في الوقت الذي كانت فيه القوات التركية تجري تدريبات عسكريّة على حدود إدلب، وبالتزامن مع طرحه تشكيل جسم عسكري موحد في المحافظة، يضم جميع الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة.
وفي حين كانت السلطات التركيّة قد تعمّدت الصمت حول التطورات الأخيرة في إدلب في البداية، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده تقوم باللازم للحفاظ على السلام ومنع الانتهاكات في المدينة المذكورة شمال سوريا، في وقت كان الجيش السوري قد استقدم تعزيزات إلى حدود المحافظة من ناحية ريف حماه الشمالي.
في هذا السياق، تجزم مصادر معارضة سوريّة مقرّبة من تركيا، عبر "النشرة"، بأنّ مواقف "زعيم هيئة تحرير الشام" لن تلقى أي صدى لدى أنقرة، خصوصاً أن الهيئة مصنفة منظمة إرهابيّة من قبلها، وبالتالي لا يمكن التعامل معها بأي شكل من الإشكال، كما أن القوى المعارضة لن تقبل التعاون معه بعد كل ما قامت به الهيئة في السنوات الماضية.
وتشدّد المصادر نفسها على أنّ التعامل مع "تحرير الشام" لا ينفصل عن الطريقة التي يجب التعامل فيها مع كل المنظمات الإرهابيّة، وتعتبر أنّ الجولاني من خلال الخطوات التي قام بها مؤخراً قدّم خدمة كبيرة لدمشق وحلفائها، التي بات لديها حجّة قويّة أمام المجتمع الدولي لشنّ عمليّة عسكريّة ضد إدلب، لكنها ترفض تأكيد أو نفي المعلومات عن إمكانية تولي أنقرة هذه المهمة، لا سيما أن الأخيرة تضع على رأس قائمة أولوياتها محاربة "قوات سوريا الديمقراطية" التي تسيطر على مناطق شرق الفرات.
على صعيد متصل، تشير مصادر سوريّة معارضة أخرى، عبر "النشرة"، إلى أن الجولاني تعمّد، خلال حديثه الأخير، الإشارة إلى أن الهيئة جزءاً من "الثورة السوريّة"، والدعوة إلى عزل الفصائل عن إدارة المناطق التي يقترح تسليمها إلى "كفاءات مدنيّة وأكاديميّة"، حيث تلفت إلى أن زعيم "تحرير الشام" يريد أن تكون سيطرته من خلال "حكومة الإنقاذ"، التي تعتبر الواجهة المدنيّة لتنظيمه المسلح، وترى أنّ هذه الخطوة قد تكون مقدّمة لأخرى، عنوانها السعي إلى تغيير النظرة إلى الهيئة، خصوصاً من جانب الحكومة التركيّة.
وعلى الرغم من أنّ البعض يعتبر أن أنقرة لم تكن بعيدة في الأصل عن الخطوة التي أقدمت عليها "تحرير الشام"، تشدّد المصادر نفسها على أن تركيا لا يمكن أن تقبل بإستمرار الواقع على ما هو عليه، نظراً إلى أن الواقع الجديد سيضعها أمام مشكلة مع روسيا، الشريكة معها إلى جانب إيران في مسار آستانة، بينما هي تسعى إلى تعزيز التعاون معها، لا سيما على مستوى العملية التي تنوي القيام بها في شرق الفرات، وتضيف: "على الرغم من الإنشغال التركي بهذه العملية إلا أنه لا يمكن لأنقرة أن تتجاهل الواقع المستجد في إدلب".
في المحصلة، يسعى الجولاني إلى تقديم نفسه بصورة جديدة، بعد تمدد سيطرته في إدلب، إلا أن مستقبل دوره، العسكري أو السياسي، يتوقف على موقف أنقرة من التحول الجديد، فهل تذهب إلى التعاون معه أم تغطي أو تشن عمليّة عسكريّة ضده؟.