انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي العبرية، في اليومين الماضيين، بإشاعة «مرض» الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله و«نقله في حالة صعبة» إلى المستشفى، مع كثير من التساؤلات و«التحليلات»، في مشهد ذكّر بانشغال إسرائيل ــــ قبل عامين ــــ بخبرية مماثلة، تحدثت في حينه عن موت سريري نتيجة مرض عضال.
انشغال كتّاب ومعلّقين بالشائعة انسحب أمس على وزراء وسياسيين، ما يوجب التطرق الى مسبباتها وأهدافها.
في الخلفية، يشار إلى أنه قبل سنوات، في عام ٢٠٠٧، كشف الإعلام العبري عن واحد من تمظهرات تأثير مكانة الأمين العام لحزب الله في الوعي الجمعي لدى الإسرائيليين: «سمكة نصر الله». السمكة التي غزت في حينه الشواطئ الإسرائيلية، تميّزت بأنها جميلة المظهر، ولكنها سامة جداً وتسبب الشلل وربما الموت، ويتعذر إيجاد ترياق في مواجهتها.
وإن كان الإسرائيليون «أبدعوا» في تسمية السمكة، ربطاً بالسمات المحفورة في وعيهم حول نصر الله، إلا أنهم عبروا عن هذه السمات فعلياً بما يؤكد عليها وعلى ترسخها: نصر الله رمز لكل ما يهدد إسرائيل والإسرائيليين، جماعات وفرادى.
في مقاربة الإسرائيلي لشخص الأمين العام لحزب الله واقع لافت مع مفارقات، وتطور يتنامى مع الوقت، رغم كل الجهود الرسمية لاحتوائها والعمل على تقليصها. ولا جدال في أن من واجب المتابعين تظهيرها للجمهور العربي، واللبناني تحديداً.
فمع كل كراهية الإسرائيليين لشخص نصر الله، هناك في الموازاة تعبيرات دالة على وجود قدر كبير من الاحترام لعدو أثبت أنه مغاير لكل ما خبروه ويختبرونه، ليس في ما يتعلق بمعظم القادة العرب وحسب، بل أيضاً في ما يتعلق بقادتهم. والتعبير العبري عن أن الإسرائيليين يصدقون نصر الله أكثر من قادتهم، مع تمني أن يتصفوا بصفاته وصدقيته، تعبير راسخ ويتأكد أكثر مع مرور الوقت.
في أحد تقاريرها، مباشرة بعد حرب عام ٢٠٠٦ ، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن نصر الله، للمرة الأولى، بوصفه قائداً عربياً، استطاع أن يكسر الصورة النمطية للقادة العرب، وأثبت أنه لا يثرثر بلا طائل، ولا يكذب، ودقيق في كلامه وأهل للثقة. وكشفت أنه نتيجة لهذه الحقيقة، قررت سلطات البث الإعلامي في إسرائيل أن تتعامل مع خطاباته باعتبارها سلاحاً فعلياً وحقيقياً.
ومن ضمن ما تقرر، العمل على تقليص تأثر الإسرائيليين ووعيهم الجمعي بصورة نصر الله وصدقيته، والدفع في اتجاه احتواء ما أمكن مما يرد على لسانه، مع التركيز على «مأزومية» مفترضة واقع فيها، مهما كانت الظروف والنجاحات التي يحققها حزب الله والمحور المنضوي في صفوفه. وإحدى هذه المحاولات هي بيع الإسرائيليين الأمل بإمكان رحيله الوشيك.
على ذلك، السرديات التي ترد في الإعلام العبري عن نصر الله مزدوجة المصدر: مصدر بحثي وإعلامي وجماهيري في معظمه، يعبر عن مكانة نصر الله كما هي في وعي الإسرائيليين، بوصفه العدو الأول والأكثر صدقية في آن، في مقابل المصدر الثاني الذي يعمل على تقليص هذه الصورة، وهو قسم الناطقية العسكرية في الجيش الإسرائيلي الناشط جداً في إنتاج أخبار وسرديات عن نصر الله وحزب الله، مع تلقي أخرى ترد من الإعلام العربي، وإعادة إنتاجها بعد تنميتها بما يتوافق مع المصلحة الإسرائيلية.
ويرد على هذه الخلفية الشيء ونقيضه من إسرائيل: أبحاث وكتابات وازنة تستحق المتابعة، مقابل كتابات وسرديات يصعب تضييع الوقت في متابعتها، رغم أنها فعلياً مورد تسلية، مثل تفاعل الإسرائيليين، ومن بينهم كتاب وإعلاميون وسياسيون، مع تغريدة أحد الأشخاص ممن يقتصر نتاجه على شتم حزب الله ومدح السعودية وإسرائيل، من السويد، حول «صعوبة وضع نصر الله الصحي»، رغم الإدراك المسبق بضآلة صدقية هذا المغرد.
نصر الله في الوعي الجمعي الإسرائيلي رمز لكل ما يهدد إسرائيل جماعات وفرادى
لا مشكلة في أن يمرض فلان أو فلان، وهذه طبيعة إنسانية، وذلك على فرض المرض. إلا أن اللافت أن يصبح الرهان على المرض خياراً. وهذا دليل على اليأس والعجز والإفلاس، ومنتهى الأمنيات، وهو ما أشارت إليه القناة 12 الإسرائيلية، أمس، بأن أكثر ما بحث عنه الإسرائيليون خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية على موقع «غوغل» هو كلمة نصر الله، بعد الشائعات عن وضعه الصحي.
الواضح أن الانشغال الأخير بـ«نقل نصر الله إلى المستشفى»، والبناء عليه مع غزارة التعليق والبحث في مستجداته، لافت جداً ويستأهل المتابعة ومعاينة أمنيات الإسرائيليين عن الشخصية الأكثر إقلاقاً لهم. لكن في سياق التعليق، اللافت والمثير للأسئلة، هو ما يدفع معلقين وخبراء الى التعامل والبناء على التغريدة، رغم إدراكهم سخافتها وسخافة مغرّدها؟
بالطبع لا يمكن استبعاد الفرضيات، ومن بينها أن يكون الإسرائيلي نفسه هو المحرك لهذه الخبريات، ليعيد إنتاجها لاحقاً والإيحاء بأنها حقيقة، كي تخدم مصالحه في أكثر من اتجاه في هذه المرحلة، سواء في الداخل الإسرائيلي نفسه أو لدى بيئة حزب الله ومريديه، وخاصة أن المغرد المعادي لحزب الله، كما أشارت «يديعوت أحرونوت»، على علاقة بأجهزة استخبارات غربية.
للاطلاع على عينات انشغال الإسرائيلي وإعلامه، بما يشمل أهداف التسلية، يشار الى فقرة من تقرير ورد أمس في يديعوت أحرونوت تحت عنوان «ما الذي يحدث لنصر الله»، وفيه: «هل نصر الله، ابن الـ 59 سنة مريض فعلاً؟ ليس واضحاً. إذا كان سليماً ويقرأ التقارير، من الممكن الافتراض أنه سيطلّ قريبا ويهزأ بناشري الشائعات. في الإعلام اللبناني، لم يظهر حتى الآن خبر عن وضع نصر الله أو مكان وجوده، وهو معطى آخر يثير علامات استفهام»!