«استقبل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ظهر اليوم في «بيت الوسط» سفير الجمهورية الإيرانية في لبنان محمد جلال فيروزنيا، وتناول اللقاء عرض آخر المستجدات في لبنان والمنطقة وسبل تقوية العلاقات بين البلدين. وخلال اللقاء سلم الرئيس الحريري السفير الإيراني مذكرة موجهة إلى الرئيس الإيراني الدكتور حسن روحاني، تطالبه بالإفراج عن السجين اللبناني نزار زكا.
لا حدّ للنفاق في الخبر الذي نشرته الوكالة الوطنية للإعلام أمس. يريد رئيس الحكومة تبرير لقائه السفير الإيراني، فيعلن تسليمه رسالة إلى روحاني، تطالبه بالإفراج عن زكا، المسجون في إيران منذ سنوات، بتهمة التجسس لمصلحة الاستخبارات الأميركية. من منظور الدولة، يجب على الحريري، وعلى غيره من المسؤولين، المطالبة بالإفراج عن زكا، مهما كانت الجريمة التي ارتكبها، أو التهمة الموجهة إليه. كذلك يجب عليهم المطالبة بإقفال ملف المعتقلين في السجون السورية، بعيداً عن أكاذيب العميل الإسرائيلي الذي سُجن في دمشق لسنوات، وخرج بعدها ليخبر اللبنانيين بخرافات عن أشخاص موجودين في تلك الزنازين وبات مرجعاً دولياً في هذا الملف.
على الدولة أن تطالب بنزار زكا. لا جدال في ذلك. لكننا لن نملّ من تكرار السؤال: وماذا عن الآخرين؟ هذا السؤال، ولو أصبح مستهلكاً حتى صار المرء منا يخجل من طرحه، يجب أن يبقى مرفوعاً في وجه من يستخدمون قضية نزار زكا وغيره (بصرف النظر عن أحقيتها أو عدمه)، لتوجيه رسالة لا صلة لها بحقوق اللبنانيين حول العالم. سنبقى نذكّر الحريري، كما باقي المسؤولين، بقاسم تاج الدين الذي خُطِف من المغرب، واحتُجِز رهينة في الولايات المتحدة، ليقبل مرغماً بدفع فدية قيمتها 50 مليون دولار لقاء تحريره بعد نحو سنتين. لم يكلّف الحريري نفسه عناء إجراء اتصال بصديقه الملك المغربي المتهرّب من ممارسة مهماته في بلاده، للاحتجاج على الجريمة التي ارتُكِبت بحق تاج الدين. ولن نكفّ عن ترداد السؤال: ماذا عن أسعد بركات الموقوف في البرازيل بانتظار تسليمه للباراغواي؟ وماذا عن نادر فرحات الموقوف في الباراغواي ومحمود بركات الذي أصرّ على أن تسلمه السلطات في أسانسيون للولايات المتحدة، إيماناً منه ببراءته، ولم يبعث الحريري برسالة إلى ترامب بشأنه؟ وماذا عن الموقوفين في الإمارات؟ وماذا قبلهم عن الذين طُردوا من أبو ظبي وغيرها وفقدوا أعمالهم وجنى أعمارهم؟ ماذا فعلت لهم الدولة؟ افتتحت مستديرة في بيروت، وزرعت في وسطها، بكل نفاق أيضاً، تمثالاً لزايد بن سلطان. في دول الخليج، تماثيل البشر محرّمة. في الإمارات نفسها، لا يصنعون التماثيل لزايد. يرون في ذلك شركاً وكفراً. أما دولتنا، فتنصب تمثالاً له، من دون أن تسأل عن أبنائها المسجونين ظلماً في زنازين طحنون ومحمد بن زايد. يتجاوز الأمر هنا النفاق. الدولة لا تقيم أي وزن لمشاعر أهالي الرهائن.
ما يجدر التنبيه منه أن هذا النفاق الذي تمارسه الدولة لا هوية طائفية له. ليس الأمر متصلاً بكون غالبية المذكورة أسماؤهم أعلاه ينتمون إلى الطائفة الشيعية التي يحلو لبعض أبنائها على وسائل التواصل الاجتماعي تصوير الأمر كما لو أنه إهمال من الدولة لـ«أبناء الطائفة». كثير من الملاحَقين ليسوا من الشيعة. جورج عبد الله ليس شيعياً ولا سنياً ولا مسيحياً أيضاً. يرفض أن يعرّف عن نفسه بهوية طائفية. ومنذ 6 سنوات على الأقل، هو رهينة لا أكثر. بكل المعايير القانونية، هو رهينة القرار الأميركي. النفاق الذي جُبل به بيان مكتب الحريري أمس هو ما يمنع الأخير من البعث برسالة إلى الرئيس الفرنسي، تطالبه بالإفراج عن جورج عبد الله. النفاق ممزوجاً بالذعر من ردّ فعل السجان الأميركي الذي يرفض فتح الباب لسجين البيرينيه. والنفاق الممزوج بالخوف والذل، هو ما يحول دون صدور بيان يقول إن الحريري حمّل حمد الشامسي رسالة إلى محمد بن زايد يطالبه بكشف مصير اللبنانيين المسجونين في الإمارات، وبحقوق المبعدين المهدورة هناك.
النفاق في بيان الحريري أمس يكمن تحديداً في أن الرسالة ليست موجّهة إلى الرئيس الإيراني، بل إلى المهتمين بقضية زكا في واشنطن، في مختلف أجهزة الإدارة الأميركية وفي الكونغرس. ولأجل هؤلاء تحديداً، لن يسأل الحريري عن تاج الدين، ولا عن جورج عبد الله، ولا عن أي لبناني تريد الولايات المتحدة تلفيق تهمة له، أو فرض خوّة عليه.