يُرتَقب يوم الأحد من الشهر الجاري انعقاد القمة العربية التنمويّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة في دورتها الرابعة في العاصمة بيروت برئاسة لبنان.
أعلن المتحدّث باسم الأمين العام للجامعة العربية محمود عفيفي من القاهرة وفي مؤتمر صحفي عقد في مقرّ الجامعة أنّ شعار القمّة لهذه الدورة هو:
"الإنسان محور التنمية: الإستثمار في الإنسان".
تزامن هذا المؤتمر الصحفي مع إعلان رئيس جمهورية مصر عبدالفتاح السيسي اعتذاره عن حضور القمّة وارسال رئيس الوزراء نيابة عنه.
حتى الساعة قادة دول عربية عدّة سيتغيّبون عن الحضور: سوريا، ليبيا، قطر واليمن.
هل هنالك توجّه الى إفراغ القمّة العربيّة من مضمونها عبر اعتبارها مؤتمرا إقليمياً تشاورياً لا اجتماع قادة عرب؟.
يبدو ذلك وجيهاً، فالمعطيات تؤكّد تغيّب بعض القادة في الساعات الماضية وارسال من ينوب عنهم.
هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون نذكر ما يلي: تمّ التصريح من قبل عفيفي أنّ جدول أعمال القمة يتكون من ٢٧ بندا تتناول مختلف قضايا العمل العربي في المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة. نذكر منها ما يلي:
-الأمن الغذائي العربي.
-منطقة التجارة الحرّة العربيّة الكبرى.
-الاتحاد الجمركي العربي الموحد.
-الاستراتيجيّة العربيّة للطاقة المستدامة ٣٠٣٠.
-السوق العربيّة المشتركة للكهرباء.
-الميثاق العربي الاسترشادي لتطوير قطاع المؤسسات المتوسّطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
-التحدّيات التي تواجهها "اونروا".
-الخطّة الاستراتيجيّة للتنمية القطاعيّة في القدس.
-الاعباء الاقتصاديّة والإجتماعيّة المترتّبة على استضافة النازحين السوريين وأثرها على الدول المُضيفة (اقتراح من الأردن).
-وضع رؤية عربيّة مشتركة في مجال الإقتصاد الرقمي (اقتراح من لبنان).
لا شكّ أنها مواضيع هامّة، ولكن، هل وقعت الجامعة العربية في اللغط بالعناوين والتوصيفات مرّة أخرى؟ فيبقى الشعار شعارا وخطة العمل غير قابلة لإحقاقه؟.
يبدو أن الجواب نعم. وذلك للأسباب التالية:
أوّلاً-الإستثمار في الإنسان كما يذكر شعار القمّة الذي اعتمدته الجامعة العربيّة له أسس وركائز ومقوّمات اتفق عليها باحثو العلوم الاقتصاديّة والاجتماعيّة في العالم، أهمّها وجوب إحقاق سياسات تتعلّق بتكثيف الجهود في مجالات: التعليم، الإختصاصات، البحث العلمي، الابتكارات، التخصّصات النادرة، التدريب، صناعات لمرحلة ما بعد النفط، تطوير طاقات العمل، نشر المعرفة وصقل المواهب، العناية الطبيّة والنفسيّة كما الاستقرار المادي والاجتماعي، تأمين فرص عمل متكافئة دون تمييز عرقي أو جنسي أو معتقدي. فأين بنود جدول أعمال القمّة المرتقبة منها؟!.
ثانياً-الإستثمار في الإنسان investing in people لا تعني في علم ادارة الاعمال والاقتصاد والاجتماع والسيّاسة تنمية الفرد فقط، بل تعني "الناس" أيّ الشعوب والجماعة.
ولتطوير وتنمية قدرات الشعوب لا بدّ من رفع القيود والتكبيل التعسّفي عنهم، عبر سنّ دساتير وتشريعات عصريّة متطوّرة تحميهم من الغطرسة الماليّة والاقتصاديّة والإداريّة، وذلك من أنظمة دولهم أوّلاً قبل البحث عن الهيمنة الخارجية عليهم. الكفاءات البشرية تبنى بخطط جماعيّة كما فرديّة لتنمية المؤهّلات. أين بنود جدول أعمال القمّة مما تقدّم قياسا على شعارها؟!.
إنّ المنهجيّة المنطقيّة هي أساس إحقاق السياسات للدول والشعوب. فعندما تسنّ منظمة دوليّة أو اقليميّة أو دولة ما سياسة تنمويّة بهدف محدد كالاستثمار في الانسان، فلا بدّ ان تكون بنودها ممنهجة ومتّبعة لآليات مجدية قابلة ضمن مدة زمنية محدّدة على تحقيق الهدف، وليس بنودا مستحيلة من حيث المبدأ والأساس، إمّا لأنها خرافيّة في ظل الواقع السيّاسي والاقتصادي والعسكري القائم بين أعضائها، وإمَّا لأنها تفرض بالأساس اتحادا للدول العربية على غرار الاتحاد الاوروبي. وهذا مستحيل.
يبقى في يومنا هذا الوطن العربي أيضاً حلماً مستحيلاً في ظلّ شعارات سياسيّة واقتصاديّة مزدوجة، تُعلن على المنابر ما يدغدغ الأحلام العربيّة وعلى أرض الواقع تحطّمها... ها هي فلسطين والقدس وغزّة تُقضم وينوء إنسانها وشعبها... ها هو اليمن كارثة إنسانيّة ولا من يسأل... وأوجاعنا العربيّة تطول...
هل من بند حول ترسيم حدودنا اللبنانية؟ واستخراج نفطنا من البلوك ٩؟ ومنع استباحة أجوائنا؟ واستعادة أرضنا؟ هل من بند حول الطاقة البديلة وكيفيّة تطوير صناعتها وتمويلها؟! أم أنّ النفط خطٌ أحمر في السياسات الاقتصاديّة العربيّة؟!.
بالمحصّلة، تنعقد القمّة مبتورة بأعضائها ومواضيعها، لا داعي للتعطيل يوم الجمعة، كلّ شيء يسير عند القادة على ما يرام.