أثارت عودة الحرارة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والتركي رجب أردوغان والتي تمخضت عن اتفاق بين الجانبين يقضي بقيام الجيش التركي بإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية بعمق يمتدّ بين 20 إلى 30 كلم مقابل تعهّد أردوغان بعدم المسّ بحلفاء واشنطن من الأحزاب الكردية، بعد الانسحاب الأميركي.
الهزيمة أثارت التساؤلات حول مستقبل الوضع في شمال شرق سورية، وما إذا كان مثل هذا الاتفاق سيرى النور أم أنه سيواجه برفض روسي إيراني مستند إلى موقف سورية الحازم في رفض الاعتداء التركي على أراضيها واستعدادها لمواجهته واستعادة كلّ شبر من الأرض السورية…؟
إنّ قراءة دقيقة للواقع القائم على أرض وخريطة موازين القوى تظهر أنّ هناك ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الاول: أن يؤدّي الانسحاب الأميركي – الهزيمة من شمال شرق الفرات، والذي بدأ تنفيذاً لقرار ترامب عدم التورّط في حرب استنزاف كبرى في سورية.. الى قيام الجيش التركي بتنفيذ هجومه العسكري الذي حضر له، داخل الأراضي السورية بغية فرض إقامة منطقة آمنة بذريعة حماية الأمن القومي التركي من خطر الأحزاب الكردية المسلحة، ويتجاهل بذلك النصائح الروسية الإيرانية بالتخلي عن ذلك وقبول انتشار الجيش السوري في المنطقة وعلى الحدود مع تركيا.. ومثل هذا الاحتمال يستهدف من ورائه أردوغان ابتزاز الدولة الوطنية السورية لفرض شروطه السياسية بإدخال الجماعات الإرهابية الموالية له وبالأخصّ جماعة الاخوان المسلمين في التسوية النهائية مقابل انسحاب الجيش التركي من سورية.. غير أنّ سورية رفضت مثل هذه الاشتراطات التركية منذ بداية الحرب واعتبرتها تدخلاً بشؤون سورية الداخلية.. واليوم بعد نحو ثماني سنوات من الحرب الإرهابية الكونية التي انخرطت فيها تركيا أردوغان نجحت سورية بتحرير معظم المناطق التي احتلها الإرهابيون وباتت بوضع قوي قادرة على التصدي للتعديات التركية على الأرض السورية وإحباط آخر محاولات أردوغان للحصول على ثمن سياسي لعدوانه.. لا سيما أنّ الجيش السوري أصبح يملك القدرات القتالية والتسليحية الرادعة لمواجهة أي عدوان تركي.
الاحتمال الثاني: أن يؤدّي اجتماع الرئيس التركي أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الى تراجع أردوغان عن الإقدام على تنفيذ هجومه العسكري.. ويوافق على مطالبة روسيا له قبول نشر الجيش السوري باعتبار ذلك هو الحلّ الأمثل لسورية وتركيا في آن معاً.. من جهة تستعيد الدولة السورية سيادتها على أرضها.. ومن جهة ثانية ينتهي الخطر الذي يهدّد الأمن القومي التركي والذي كان يتذرّع به أردوغان للتدخل في سورية.. كما يوافق أردوغان على تنفيذ اتفاق استانا سوتشي للقضاء على تنظيم جبهة النصرة في إدلب، خصوصاً بعدما أقدم هذا التنظيم على السيطرة على كامل المناطق التي كانت تسيطر عليها الجماعات المسلحة التابعة لتركيا.. وبالتالي يقوم الجيش السوري وبدعم الطيران الروسي بعملية عسكرية لتحرير كامل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم جبهة النصرة الإرهابي.. ومثل هذا الاحتمال يستند إلى أنّ موازين القوى، بعد الانسحاب الأميركي، ليست لمصلحة أردوغان الذي سيكون في مواجهة ليس فقط مع سورية وإنما أيضاً مع روسيا وإيران.. في حين أنّ الجيش السوري نشر منظومة «أس 300» في المنطقة الشمالية الشرقية وهي قادرة على شلّ حركة الطيران الحربي التركي، وبالتالي كشف الجيش التركي وتعرّضه لاستنزاف كبير إنْ أقدم على اجتياح الأراضي السورية في شرق الفرات..
الاحتمال الثالث: أن تسارع الأحزاب الكردية.. التي راهنت على الدعم الأميركي لتحقيق طموحاتها الانفصالية غير المشروعة في شمال شرق سورية المختلطة سكانياً.. الى الدخول في التسوية مع الدولة السورية وبالتالي انتشار الجيش السوري في المناطق التي تسيطر عليها هذه الأحزاب على غرار ما حصل في منبج مما يضع أردوغان أمام الأمر الواقع ويجعله يتراجع عن تنفيذ هجومه وتبرير ذلك أمام جمهوره بانتهاء الخطر الذي كان يمثله وجود قوات «قسد» الكردية على الحدود مع تركيا..
إنّ الاحتمال الثالث هو الاحتمال الأرجح انطلاقاً من انّ الأحزاب الكردية، بعد الانسحاب الأميركي، ليس لديها من خيار آخر تراهن عليه لمواصلة المناورة ومحاولة انتزاع مطالب غير مشروعة من الدولة السورية. لا سيما أنّ الخيار الأفضل المتاح أمامها هو الاتفاق معها.. لهذا فإنّ الفرصة متاحة الآن أمام الأحزاب الكردية لتجنيب المنطقة الحرب والدمار وبالتالي التخلي عن الأوهام غير القابلة للتحقق..