أكّد المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب، أنّ "الأمن الاجتماعي حاجة إنسانية لا يمكن إغفالها أو التخلّي عنها إذا أردنا أن نحصل على السلام والحياة العادلة الخالية من أي بعد عدائي أو مناخ كراهية"، مبيّنًا أنّ "من أهمّ المرتكزات الّتي يجب الحرص عليها لتحقيق هذا الهدف هو البحث عن كلّ ما من شأنه أن يمسّ روح الوئام والمحبة بين أفراد المجتمع، وأن يسيء إلى العلاقات الإنسانية لا سيما في ظلّ مجتمع متنوّع دينيًّا وثقافيًّا".
وركّز في كلمة له خلال مشاركته في ندوة عُقدت في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، تحت عنوان "ظاهرة التعرّض للمقدّسات والرموز الدينيّة"، على أنّه "عندما يُصاب هذا المجتمع بوعكة مسلكيّة وتتفشّى فيه ثقافة الكراهية وتُثار فيه النزاعات والخصومات وتصبح أدبيات القطيعة مع الآخر السائدة وتبرز إلى العلن الخطابات الغرائزية الّتي تبعد المسافات وتضع السدود بوجه الحوار البناء، يجب أن نبحث عن السبب الرئيسي لنضع أيدينا على الجرح الحقيقي وليس المختلق للتلطّي خلفه لنستطيع معالجة الأسباب ووضع سبل المناعة في الواقع الّذي نعيش".
ولفت طالب إلى أنّه "ليس خافيًا على أحد أنّ الأديان والقيم الدينية ليست هي المسؤولة عن ما آلت إليه الأمور في واقعنا، والّذي نعيش من حالة التدنّي الثقافي والتسحّر الفكري وغلبة الغرائزية على العقلانية والبعد المنطقي للأمور، وإنّما التركيبة السياسية والأطماع السلطوية والفساد الإداري والنهم المالي والحزبية المتزمتة والأنانية المفرطة للتزعّم والتوريث... هي بعض أشكال وصور المأساة الّتي أوصلت المجتمع إلى ما هو عليه اليوم".
وأوضح أنّ "الأديان والمقدسات والقيم الإنسانية الّتي ينشرها أتباع الديانات، لم تكن هي المسؤولة عن هذا الواقع المأساوي (مع التحفظ على الخطاب الديني السياسي). بل العكس تمامًا، فإنّ القيم الدينية هي الّتي كانت ولا زالت تشكّل الضمانة الكبرى للمحافظة على المساحات الجميلة في هذا الوطن".
ونوّه إلى أنّ "رغم ما أقدم عليه النظام السياسي من التضييق المتعمّد على المؤسسات الدينية والرموز العلمائية والعلمية وتحويلها في كثير من الحالات إلى ورقة في ساحات التنافس السياسي يستخدمها السياسيون القيمون عليها حين تعوزهم الحاجة وتسحب عند بلوغ غاياتهم، مع ذلك بقيت القيم الدينية والمؤسسات الدينية والرمزية الدينية ورغم كلّ شيء، تشكّل الضامن للاستقرار والمعطل لمشاريع الانتحار السياسي".
وشدّد طالب على أنّ "السعي لهدم هذه القدسية للأديان ورموزها رغم أنّه سيكون هواءً في شبك، ولكن إنّما تهدمون بذلك ما تبقّى من الأمل في النفوس والإيمان بأنّ الفرج قادم وإدخال للأمة في حالة اليأس بعد أن أصابها الإحباط واطفاء لبصيص النور الّذي لا زال الناس بسبب إيمانهم ينتظرون أن يعم ليغلب الظلام".
ورأى أنّه "إن لم تفلحوا في تأمين بلد آمن على المستوى السياسي والإداري والمؤسساتي، فعلى الأقل أتركوا الإيمان للإنسان علّه يشكّل سلوى له عن فقده لكلّ شيء".