العلاقات بين لبنان وسوريا هي أعمق بكثير من أن تكون مربوطة بسفارتين في بيروت ودمشق. فإضافة إلى الإنتماء إلى العروبة واللغة ووشائج القربى هناك التاريخ المشترك بمقاومة الإستعمار الفرنسي وقبله ’’التتريك‘‘ وطمس الهوية القومية. فلبنان وسوريا ينتميان إلى ’’الهلال الخصيب‘‘ و’’بلاد الشام‘‘. ولا يمكن عزل الحاضر عن الماضي ولا كتابة المستقبل بوقائع مفبركة و’’تاريخ زائف‘‘. وفي المعلومات أن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد كان قد خيَّر الرئيس اللبناني السابق العماد ميشال سليمان بين نوعين من العلاقات الدبلوماسية. أي على لبنان أن يختار بين علاقات ندّية وبين علاقات مميّزة. فلكل نوع من العلاقات ميزاته وتداعياته على كافة الصعد الدبلوماسية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية.
قبل سنوات معدودة خرج منظّر المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ريتشارد بيرل بنظرية مفادها أن من يضع يده على بغداد يتحكم بـ’’الهلال الخصيب‘‘ باتجاه تفكيكه وإعادة تشكيله استنادا للمصالح الأميركية المتمثلة في المنطقة بأمرين اثنين النفط وأمن اسرائيل. وهكذا كان التوجه الغربي والأميركي هو الضغط على سوريا الحلقة الأساسية في بلدان ’’الهلال الخصيب‘‘ بعد أن أصبحت القوات العسكرية الأميركية المنتشرة في العراق على حدودها. وكان المطلوب من الرئيس الدكتور بشار الأسد التخلي عن المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وعن الربط بين البعدين الوطني والقومي وكسر العلاقة مع ايران. ورفض بشار الأسد الضغوط فكانت الحرب الكونية على سوريا وإطلاق يد التطرف الديني واحتضان الفكر التكفيري وحصار اقتصادي وسياسي ومالي أمبركي وأوروبي وخليجي.سوريا الآن هي في موقع قوة. ردعت الحرب الكونية عليها. هزمت مشروع تفتيت ’’الهلال الخصيب‘‘ وهزمت المشروع التكفيري. وحمت ظهر الخليج العربي من كوارث مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي لا يستثني دوله الغنية بالنفط والغاز.
أيا يكن الأمر، تحصين العلاقة اللبنانية-السورية هو في تعميق التواصل بين مؤسسات المجتمع المدني اللبنانية والسورية، وتحديدا في مجالات الثقافة والاجتماع وفي المناطق والبلدات التي تتداخل فيها الحدود والديموغرافيا، وحتى المدارس المشتركة والأساتذة الذين يعبرون الحدود. فهناك آلاف العائلات اللبنانيّة التي تعمل في الزراعة في المناطق الحدودية المتاخمة للهرمل والقاع والقصر، والتي لم تصل اليها لا الكهرباء ولا مياه الشفة ولا قنوات الري اللبنانية، والتي تعتمد كليا على البنى التحتيّة السوريّة، خصوصا وأن صلة الدولة اللبنانية بالأطراف والأرياف ضعفت كثيرا مع اندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975...
واقع الأمر لا بد من مراجعة العلاقات اللبنانية-السورية في الفترة السابقة على الخروج العسكري السوري من لبنان وعلى ما بعده... كان هناك أخطاء مشتركة ساهم فيها الطرفان اللبناني والسوري على السواء. وهي أخطاء يمكن تداركها بالتركيز على ما يجمع وليس على ما هو سبب للخلاف... وعلى قاعدة أن لبنان يقوى بسوريا وسوريا تقوى بلبنان وفي سياق احترام خصوصية كل من البلدين سواء في نظامه السياسي أم في توجهه الاقتصادي وسيادته الوطنية.
أخيرا سوريا هي بوابة لبنان على العالم العربي. ومصلحة لبنان أن يكون المستفيد الأول من إعادة إعمار سوريا. هكذا تقتضي المصلحة اللبنانية قبل السوية بالخروج من أسر المواقف الغربية وغير الغربيّة باتخاذ القرار الحكيم والمستقل بتغليب ’’المشترك‘‘ بين لبنان وسوريا على ما عداه. فالعالم العربي بدوله المختلفة عائد إلى سوريا. وكان ينبغي على لبنان أن يكون طليعته.
*رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع