اشار الرئيس ميشال عون الى اننا نلتقي في هذه القمة لمجابهة التحديات الاقتصادية والتنموية التي تواجه بلداننا، فعسى أن تتكلّل جهودنا بنجاح يلبي طموحات شعوبنا وآمال الاجيال الطالعة، وأن نخطو خطوة على طريق النهوض والإزدهار وتعزيز العمل التنموي العربي المشترك. اضاف "لقد ضرب منطقتنا زلزال حروب متنقّلة، ولكن لسنا اليوم هنا لنناقش أسبابها والمتسبّبين بها والمحرّضين عليها، إنّما لمعالجة نتائجها المدمّرة على الاقتصاد والنمو في بلداننا والتي عادت بنا أشواطاً الى الوراء".
ولفت عون في افتتاح القمة العربية الاقتصادية التنموية في بيروت، الى ان "الحروب الداخلية وتفشّي ظاهرة الإرهاب والتطرّف، ونشوء موجات النزوح واللجوء أثّرت سلباً على مسيرة التنمية التي تشق طريقها بصعوبة في المنطقة، خصوصاً في بعض الدول التي تعاني أساساً من مشاكل اقتصادية واجتماعية، فإذا بهذه الحروب تلقي بثقلها عليها وتفرمل كل محاولات الاستنهاض".
وسأل الرئيس عون "أين دولنا من مسيرة تحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، من القضاء على الفقر، إلى محاربة عدم المساواة والظلم، في وقت تُهدم البيوت على رؤوس أصحابها، وتنتهك حقوق الشعوب بالحرية والعيش الكريم، وينتشر الدمار، ويغادر الملايين أوطانهم نحو دول هي أصلا تنوء تحت أحمالها وتضيق بسكانها؟" ولفت الى ان لبنان دفع الثمن الغالي جراء الحروب والإرهاب، ويتحمل العبء الأكبر إقليميا ودوليا لنزوح الأشقاء السوريين، مضافا الى لجوء الأخوة الفلسطينيين المستمر منذ 70 عاما، بحيث أصبحت أعدادهم توازي نصف عدد الشعب اللبناني، وذلك على مساحة ضيقة ومع بنى تحتية غير مؤهلة وموارد محدودة وسوق عمل مثقلة، والاحتلال الاسرائيلي متربص بنا، ولا ينفك يتمادى منذ سبعة عقود في عدوانه واحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية وعدم احترامه القرارات الدولية وقد وصل اليوم الى ذروة اعتداءاته بتهويد القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل وإقرار قانون "القومية اليهودية لدولة إسرائيل"، غير آبه بالقرارات الدولية"، ولفت الى ان الاحتلال الإسرائيلي يضرب الهوية الفلسطينية ويحاول الإطاحة بالقرار 194 وحق العودة، أضف الى ذلك تهديداته وضغوطه المتواصلة على لبنان، والخروقات الدائمة للقرار 1701، وللسيادة اللبنانية، براً وبحراً وجواً.
ولفت الرئيس عون الى ان حال التعثر الداخلي والتبعثر التي يعيشها الوطن العربي أخطر من الاحتلال، لأنّه معلوم أن "كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، وكل بيت منقسم على ذاته لا يثبت"، واعتبر ان الخراب يطاول ركائز أوطاننا وفي مقدمها الاقتصاد والازدهار والتنمية، وكي تصبح أمتنا أمة منتجة "تنسج وتزرع وتعصر" وتحقق أمنها الغذائي، أمامها الكثير من التحديات، وأول تحدٍ يواجهنا اليوم هو أن نجعل من كل الأحداث المؤلمة التي أصابتنا حافزاً للعمل سوياً على الخروج من الدوامة المفرغة لسلسلة الحروب وتداعياتها، والمضي بمسيرة النهوض نحو مستقبل أفضل لشعوبنا.
اضاف قائلا " تنعقد قمتنا بعد قرار الأمم المتحدة عام 2015 تحت الرقم 70/1، حيث أقرت خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وهذه الخطة تمثل برنامج عمل لأجل الناس وكوكب الأرض ولأجل الازدهار، وتهدف أيضاً إلى تعزيز السلام العالمي"، لذلك اخترنا للقمة التنموية العربية عنوان: "الازدهار من عوامل السلام". واعتبر إن معالجة جذور الأزمات والسعي الى القضاء على الفقر الذي يولد عدم المساواة والحروب والارهاب يجب أن يكونا أولوية، كذلك محاربة الفساد والقيام بالإصلاحات الضرورية على كل الصعد وتأمين استقرار التشريع وعدالة القضاء لتوفير عامل الثقة للاستثمارات الداخلية والخارجية.
واعتبر انه "يتوجّب علينا تنسيق البرامج والخطط العربية قبل انعقاد قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في نيويورك بتاريخ 25 أيلول المقبل بحضور قادة العالم، بالتلازم مع السير بالمشاريع الاقتصادية والاستثمارية والزراعية، يجب أن يرتكز عملنا المشترك على بناء الانسان العربي، وحفظ حقوق المرأة وحماية الطفولة، وتثقيف الشباب، والتشجيع على معرفة الآخر، من هنا كانت مبادرتنا بالعمل على إنشاء "أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار". وأمل أن تساهم هذه القمّة في تفعيل النشاط بالمشاريع العالقة، والعمل على إكمالها وإنجازها لما في ذلك من مصلحة أكيدة لكل شعوبنا. وسأل "أين نحن اليوم من السوق العربية المشتركة، والإجراءات المساعدة على تصريف الانتاج الزراعي مع احترام الرزنامات الزراعية والمعاملة بالمثل التي تتيح التكامل العربي؟ وأين المشاريع الكبرى مثل مشاريع الربط بين الدول العربية بما فيها الربط الكهربائي، وكذلك منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وزيادة معدل الاستثمارات البينية والمباشرة في الدول العربية؟"
اضاف " ألم يحن الوقت لتسهيل التبادل البرّي عبر النقاط الحدودية وفتح المعابر التي تسمح بمرور البضائع بين دولنا؟ وأين نحن من تصحيح مسار اتفاقية التيسير العربية كي تصبح أكثر عدالة وشمولية؟ وأمل أن تلحظ القمّة التنموية مشاريع عصرية مفيدة للعالم العربي، وقد تقدّم لبنان بمشروع عن الاقتصاد الرقمي نظراً لأهمية التطور التكنولوجي والمعلوماتي وما نتج عنه من تغيّرات لا يمكن إغفالها مثل التجارة الالكترونية والحكومة الرقمية". واعتبر ان "لبنان يدعو المجتمع الدولي الى بذل كل الجهود الممكنة وتوفير الشروط الملائمة لعودة آمنة للنازحين السوريين الى بلدهم ولا سيما إلى المناطق المستقرة، أو تلك المنخفضة التوتر، من دون أن يتم ربط ذلك بالحل السياسي، وإلى تقديم حوافز للعودة لكي يساهموا في اعادة اعمار بلادهم والاستقرار فيها، ولقد عملنا على اقتراح مشروع بيان ختامي يصدر عن القمّة حول أزمة النازحين واللاجئين نظراً لانعكاسات هذه الأزمة الخطيرة على اقتصاد دولنا، وأبعد من ذلك، لما تشكّله من مخاطر وجودية على النسيج الاجتماعي القائم في المنطقة".
واشار الى انه "في ظل التحديات التي تواجهنا، أتقدم بمبادرة ترمي إلى اعتماد استراتيجية إعادة الإعمار في سبيل التنمية، داعياً إلى وضع آليات فعالة وفي مقدمها تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولّى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضرّرة على تجاوز محنها، ويسهم في نموها الاقتصادي المستدام، وأدعو جميع المؤسسات والصناديق التمويلية العربية للاجتماع في بيروت خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لمناقشة وبلورة آليات فعالة تتماشى مع هذه التحديات التي تواجهنا، ومتطلبات إعادة الإعمار".
وشدد على إن انعقاد هذه القمة في بيروت في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها المنطقة هو تأكيد على دور لبنان ورسالته في محيطه والعالم، وتمنى أن تكون هذه القمة مناسبة لجمع كل العرب، فلا تكون هناك مقاعد شاغرة، وقد بذلنا كل جهد من أجل إزالة الأسباب التي أدت الى هذا الشغور، إلا أن العراقيل كانت للأسف أقوى. اضاف " نأسف لعدم حضور الإخوة الملوك والرؤساء ولهم ما لهم من عذرٍ لغيابهم"، ويبقى لمّ الشمل حاجة ملحّة انطلاقاً من أن جبه التحديات التي تحدق بمنطقتنا وهويتنا وانتمائنا لن يتحقق إلا من خلال توافقنا على قضايانا المركزية المحقة، وحقوقنا القومية الجامعة. وفي ذلك ترجمة لإرادة شعوبنا التوّاقة الى الازدهار والاستقرار".