انتهت اعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، بانقسام النظرة حولها بين من اعتبرها ناجحة كونها حقّقت الاهداف الموضوعة لها، ومن اعتبرها فاشلة لانها أتت دون مستوى التمثيل المتوقع. وبين هذا وذاك، اتفق الجميع على ان امير قطر تميم بن حمد آل ثاني، كان نجم القمة، وقد سرق الانظار والاهتمام من حيث الشكل والحضور.
ولكن، هل يمكن القول ان الشيخ تميم افاد القمة فقط، ام انه استفاد ايضاً من وجوده فيها؟ الاجابة على هذا السؤال تقتضي النظر الى هذا الحضور بشكل موضوعي، ففي قمة غاب عنها الملوك والرؤساء في اللحظات الاخيرة واريد لها ان تكون فاشلة قبل ان تنعقد، اتى حضور قطر على مستوى الامير بمثابة دعم معنوي مهم لها، وهو لذلك استحق بادىء ذي بدء استقبالاً مميزاً حيث استقبله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صباح يوم انعقاد القمة وانتقلا معاً بسيارة واحدة الى مركز الواجهة البحريّة لبيروت، وهو امر يحمل دلالات كافية الى مدى امتنان الرئيس عون من خطوة امير قطر، فيما اعرب عن اسفه خلال القائه كلمة لبنان لغياب الملوك والرؤساء العرب، ولو انه اعطى ما يمكن اعتباره "تفهّماً لظروف كل منهم، ولكن بدا بشكل واضح مدى استيائه من هذا الغياب غير المبرّر خصوصاً من قبل زعماء وقادة كانوا التزموا الحضور شفهياً وخطياً... وحضور قطر على مستوى اميرها اعطى دفعاً للقمّة، لما لهذه الدولة من امكانات يمكن توظيفها في المواضيع التي تطرق اليها رؤساء الوفود على جدول الاعمال.
هذا من ناحية، اما من ناحية ثانية، فلا يمكن اغفال نقطة مهمّة اراد الشيخ تميم ايصالها للخليجيين وخصوصاً للسعوديّة. فهو غاب عن قمة التعاون الخليجي، وقرّر ان يكون مستوى التمثيل القطري فيها ضعيفاً رغم الدعوة التي وصلته من السعوديّة، واتى الى بيروت بأبّهة وهالة من الضخّامة فسبقته طائرة كبيرة الى المطار قبل ان تحط طائرته الضخمة التي لم يعتد مطار بيروت على استقبال مثيل لها. هذه الخطوة بالذات عبّرت عن عدم اكتراث قطر بالحصار الذي لا يزال مفروضاً عليها من قبل بعض الدول العربيّة، وانّ حضورها لا يزال محطّ اهتمام عربي، وهي لا تزال "محضونة" عربياً رغم انه غير مرحّب بها خليجياً. ولكن الاهم من كل ذلك، كانت رغبة قطر في افهام الجميع انّها ليست سوريا، ولا يمكن محاصرتها وعزلها كسوريا، فاتّصالاتها القويّة مع اميركا وعدد من دول العالم، تكفل لها بقاءها محاطة بعناية لا مثيل لها، وامكاناتها الماديّة التي لم تتأثّر بالحصار، قادرة على جعلها "حاجة" للغرب كما لعدد كبير من العرب،وهذا ما يضعها في موقف صلب ومتين عربياً بعد الضعف الخليجي تجاهها.
واللافت ان المسافة التي استغرقها امير قطر للوصول ومغادرة لبنان الى بلاده (بسبب الحصار)، كانت اطول من الفترة التي قضاها في لبنان، وهو دليل اضافي على انّه اتى لابلاغ رسالة معيّنة الى من يعنيهم الامر انه قادر على ابقاء قطر في الحضن العربي، وسيقاوم الخليجيين من داخل الجامعة العربيّة دون الحاجة الى تصعيد موقفه منهم بشكل مباشر، ودون ان يقدّم تنازلات مؤلمة.
من هذا المنطلق، يكون امير قطر قد افاد قمّة بيروت ودعمهامعنوياً ومادياً من خلال المبلغ الّذي قدّمه الى صندوق للتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي والبالغ 50 مليون دولار للدّلالة على الالتزام بالبقاء داخل الحضن العربي، وفي الوقت نفسه عمل على الاستفادة منها في اكثر من مجال وعلى كسر الحصار المفروض عليه وعلى بلدهه من البوابة العربيّة الصرف، ليقاتل السعودية ومن معها من الخليجيين من داخل البيت العربي بدل الاكتفاء بالردّ من البوابة الغربيّة.