لم يكن أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ينوي المشاركة بقمة بيروت التنموية العربية، لكن الساعات الأخيرة التي سبقت موعد انعقاد القمّة، فرضت تعديل قرار أمير قطر بعد تواصل بين بيروت والدوحة، حمل الشيخ حمد لزيارة قصيرة الى لبنان، وتمضية ثلاث ساعات فيه، قبل العودة الى بلاده.
الاستقبال اللبناني كان حاراً جداً، فتحوّل الأمير القطري الى نجم القمة، نتيجة غياب الرؤساء والقادة العرب عنها، وخصوصا السعودية والامارات ومصر وسوريا، الذين يشكّلون الثقل الأساسي عربيا.
لكن النجومية التي فرضها بشكل أساسي غياب الآخرين، رافقتها مؤشرات لافتة، يُتوقع أن يكون لها تداعيات سياسية مقبلة.
اولاً، جاء العناق الحار بين أمير قطر ورئيس الحكومة اللبنانيّة المكلّف سعد الحريري يوحي بوجود ودّ متبادل بينهما، في عز الخلاف القطري-السعودي، فلم يقتصر الترحيب بين بن حمد والحريري على مصافحة عاديّة، كما تفترض طبيعة العلاقة بين الحريري والرياض. فهل تتوقف السعودية عند هذا المشهد، أم تميّز بين الحريري رئيس حكومة لبنان، والشيخ سعد حليف الريّاض؟ طبيعة السياسة السعوديّة، تشير الى إمكانيّة أن تتخذ المملكة موقفاً من الحريري، ولو بشكل عابر، من دون ان تتجاوز محطة العناق بين أمير دولة تخاصمها الريّاض بشكل حادّ، وحليف لا ينكر فضل المملكة عليه.
ثانيا"، كلام وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل الذي أشاد بحضور الأمير القطري، "الذي كسر الحصار على قطر وبخمس ساعات ليصل الى لبنان، وايضا ببادرة سياسيّة لكسر الحصار على القمّة". مجرّد استخدام تلك العبارات عن كسر الحصار بإتجاهين، هو تصويب ضمني على السعوديين والإماراتيين والمصريين. قد يزيد التعبير من التباعد القائم بين "العهد" في لبنان و المحور العربي المذكور، خصوصا اذا جرى تصنيف الحُكم اللبناني في خانة الحليف لقطر.
ثالثاً: يشكّل الغزل اللبناني بقطر، بعد اتصال رئيس الجمهورية بأميرها ودعوته للحضور شخصياً، عامل تباعد اضافي مع دمشق، التي لم يُسجل جهد لبناني عملي ملموس إزاءها، ولا تأجيل القمّة لحين عودتها الى حضن جامعة الدول العربيّة. قد تكون سوريا هي العنوان الأبرز في قمة اقتصاديّة عربيّة، بسبب إعادة الإعمار بعد الحرب، ما يستدعي حضورها. لكن العرب استمهلوا التصالح مع السوريين، بعد الفرملة الأميركيّة التي فرضتها واشنطن من خلال ضغوط "مؤسستها العميقة"، لا البيت الأبيض الذي باشر نفض يديه من الازمة السورية بعد قرار سحب القوات الأميركية من سوريا.
واذا كان المحور السعودي-الاماراتي-المصري يستعجل الوصول الى دمشق، لمنع تركيا وايران من التوسع في سوريا، فإن السوريين يحافظون على دور طهران، لكنهم سيتعاونون مع العرب لمنع الاتراك من اتخاذ الشمال السوري رهينة في يد أنقره. لذلك، فإنّ دمشق تجد نفسها أقرب الى المحور العربي المذكور، من المحور التركي-القطري المسنود الى تحالف "الاخوان المسلمين" الذين تعتبرهم سوريا اساس مصيبتها ومنبع ازمتها، ولا تأمن لوجودهم او تسمح لأي دور لهم.
واذا كان حضور امير قطر مشكورا لبنانيًّا بكل المقاييس، فإنّ الزيارة وما رافقها من محطّات ذكرناها، ستزيد من مسافات التباعد بين الحُكم في لبنان والمحور العربي.
فهل يؤثّر ذلك على تأليف الحكومة اللبنانية؟
زادت مجريات القمة من يقين المطّلعين أن الحريري لا يريد تأليفاً سريعا، بل هو يستمهل حصول متغيرات خارجية، تفرض تعجيل الولادة الحكومية. لم تشر المعطيات الى وجود جدّية داخليّة، نتيجة مرحلة الوقت الضائع عربيا. كانت السعودية تريد اعادة علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، كما فعلت الامارات، لكن الضغوط الاميركيّة جمّدتها موقتاً، بإنتظار ترجمة اتفاق سعودي-سوري كانت بدأت ملامحه تتوضح منذ الصيف الماضي. واذا كان مصدر الضغوط الأميركيّة هي "المؤسسة العميقة" التي تعاكس الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن البيت الأبيض سيمضي قدماً في خطواته، لتنحيف الدور التركي، ومحاولة فرض اتفاق مع الإيرانيين لا توافق طهران على شروطه السياسيّة والاقتصاديّة حتى الساعة.
لكن، كل الحروب التي كانت دول الخليج في صلبها، خفّ وهجها، ولم تعد هناك من مصلحة لا سعودية، ولا اماراتية، في المضي بحروب مفتوحة. قد تكون الضربات العسكريّة هي الأخيرة في سنة الخروج من الازمات الميدانية.
ولا يستبعد المطّلعون ان تنعكس تلك التطورات في المنطقة على لبنان، فهل يستعجل المعنيون بالتأليف الحكومي، قبل ان تحلّ التوافقات على حسابهم؟ .
بعد قمّة بيروت، قد يستعجل الحريري الولادة الحكوميّة، او قد يزيد من مساحات الانتظار، لكن الاستعجال سيكون لمصلحته، بينما الانتظار قد يفقده الدعم العربي، او يفرض إبعاده عن المشهد الحكومي، خصوصا اذا دوّنت السعودية عناق امير قطر والشيخ سعد في سجلها، مع عبارة باسيل التي مدح فيها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.