يخرج "التيار الوطني الحر" كما رئاسة الجمهورية منهكيْن من القمة الاقتصادية التي استضافتها بيروت. فالتحديات التي بذلاها كانت جمّة لمحاولة انتشالها من الحفرة التي حُفِرَت لها، وكادت تؤدّي لإفشالها بالكامل ومنع انعقادها. صحيح أن المشهد ككل ليس على مستوى التطلعات، وان الحصار الذي تم تنفيذه بأدوات خارجيّة وأخرى داخليّة فعل فعله وترك خيبة أمل كبيرة في صفوف العونيين بشكل خاص، الا أنّه لا يمكن القفز فوق واقع ان المعنيين الاساسيين بانجاح هذه القمة وعلى رأسهم الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، تمكنا من تمرير الاستحقاق بحدّ أدنى من السلاسة حين احتويا كل الصراخ والخلافات الداخليّة، التي تقصد البعض تظهيرها الى العلن في هذا التوقيت بالذات. فهما لو ارتأيا مجاراة البعض بالتصعيد، الذي استكمله في وقت لاحق وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، لكانت هيبة وموقع لبنان الرسمي اليوم على الحضيض!.
قد يصحّ القول أن غدا يوم آخر، وأن ما سبق القمة ولحقها أصبح من الماضي. لكن الحقيقة أن ما حصل سيترك تداعياته طويلا على المشهد السياسي اللبناني المأزوم أصلا. فالعونيون الذين حاولوا فتح صفحة جديدة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري حين شاركوا بانتخابه الصيف الماضي لولاية جديدة على رأس البرلمان متخطّين كل ما قام به الأخير للتصدي لوصول العماد عون الى قصر بعبدا، لن يديروا له هذه المرة أيضا خدّهم الأيسر لتلقّي المزيد من الصفعات. الأرجح أنهم وبحسب المعلومات، سينصرفون قريبا لوضع خطط وسياسات جديدة تقوم على اساس ان "الرئيس عون لم يعد بيّ الكل بعدما رفضه بعضُ الكلّ، وسيكون من اليوم وصاعدا بيّ الأوادم"!.
وان كانت عملية صياغة الخطط والسياسات الجديدة ستتطلب بعض الوقت، الا أن ما لا يمكن للرئيس عون وفريقه السياسي التهاون به بعد اليوم، هو الملف الحكومي. فلا صوت سيعلو في الأيام القليلة المقبلة فوق صوت محركات الحكومة. القرار اتخذ في هذا المجال، بحسب مصادر قيادية عونية قالت ان "الأمور كبرت كثيرا وأن فترة السماح انتهت". مضيفة: "للصبر حدود. من له أذنان سامعتان فليسمع: ما كان مسموحا ومقبولا بالأمس لم يعد يمكن التهاون معه اليوم، وذلك قد يستدعي التغيير بالاستراتيجيّة والنهج المعتمد في حال لم نشهد اجراءات عمليّة وجديّة لانجاز عمليّة التشكيل الحكوميّة خلال الأيام القليلة المقبلة".
وتُفضل القيادة العونية كما المقربون من الرئيس عون ابقاء خياراتهم للتعامل مع الوضع الراهن "سريّة للغاية"، معوّلين على عنصر المفاجأة الذي يشكّل ضمانة لنجاح السيناريوهات التي وُضعت على الطاولة. ولا يبدو واضحا حتى الساعة ما اذا كانت الخيارات العونيّة تلحظ تحميلا لرئيس الحكومة المكلّف لكامل المسؤولية ما سيشكل انتفاضة بوجهه، ام انها ستنطلق من الحلف العونيّ–الحريريّ كقاعدة اساسيّة لتحميل الآخرين المسؤوليّة. الرسالة التي سيتوجه بها الرئيس عون الى المجلس النيابي لا تزال تتصدّر أجندة بعبدا، أما ما سيليها فلا يزال غير مسحوم.
وحتى تتبلور الخطوات العونيّة المقبلة، سيكون على اللبنانيين توقع أمَرّ الحلول وأحلاها.