بعد أن تُوّجت قطر أميرة القمة العربيّة الاقتصاديّة في بيروت، وتمكّن أميرها من خطف الأنظار بحضوره شخصيًّا الى لبنان بظل غياب الرؤساء والملوك العرب، ضربت الإمارة ضربتها من جديد بتصريح لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يُعلن فيه "عزم دولة قطر الاستثمار في سندات الحكومة اللبنانية دعماً للاقتصاد اللبناني"، مشيراً إلى أن "قطر ستقوم بشراء سندات الحكومة اللبنانيّة وتقدر قيمتها بـ500 مليون دولار أميركي". أكّد وزير الخارجية القطري "تدعيم قطر للاقتصاد اللبناني، والتزامها بدعم الأشقاء اللبنانيين في ظل التحدّيات التي يواجهونها"، مشيراً إلى أن "هذه الخطوة تأتي انطلاقا من أواصر الأخوّة العميقة التي تجمع بين البلدين الشقيقين". وفي هذا السياق علمت "النشرة" أن "وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل أثار موضوع إستثمار 500 مليون دولار في السندات الدولاريّة للحكومة اللبنانيّة، خلال جلسة مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي تجاوب معه مباشرة مبدياً استعداد بلاده للقيام بهذه الخطوة، التي أُعلن عنها الاثنين.
لن نتطرق لانعكاسات التحرك القطري سياسيًّا، بل سنكتفي بعرض أهميّة التحرك اقتصاديًّا، وبداية، وفي تعريف لماهيّة "السندات الحكوميّة"، يمكن القول أنها صكوك تصدرها الحكومات الوطنيّة لتقترض عبرها كميّات معيّنة من الأموال لتمويل عجزها في الموازنات العامة، حيث يجب عليها تقديم الوعد بسداد الدين والفوائد التي عادة ما تكون مرتفعة في تاريخ معين.
"في كل عام تصدر السندات الحكوميّة في لبنان لتمويل عجز الموازنة"، يقول الخبير الاقتصادي لويس حبيقة، مشيرا الى أن الدولة ولتمويل انفاقها تقوم بالاستدانة، وهي تفعل ذلك عادة بالاستعانة بالمصارف المحليّة التي تقوم باستثمار السندات الحكوميّة مقابل فائدة مرتفعة، معتبرا ما قامت به دولة قطر يقدّم للبنان فرصة جيّدة للظهور بصورة البلد الآمن اقتصاديًّا واستثماريًّا.
بلغ عجز الموازنة العام الماضي حوالي 5 مليارات دولار، وبالتالي تستدين الدولة مبلغا مشابها لتمويل إنفاقها، وتعتبر الأموال القطريّة تمويلا للعجز لا للاستثمار، فالمبلغ بحسب حبيقة ليس هبة ولا تبرعا بل دينا، تتفق الحكومة اللبنانيّة مع نظيرتها القطريّة على تاريخ السداد وقيمة الفائدة. ويضيف: "ليس سهلا أن تجد الدولة مقرضا جديدا، فالأمر يتطلب ثقة عالية، الأمر الذي يتجلّى بالخطوة القطريّة التي ترفع مقدار الثقة بلبنان، كون الدائن لا يقدّم الأموال إن لم يثق بالمدين".
يلفت حبيقة النظر الى أن الخطوة القطريّة أيضا تحمل في طيّاتها تضحية كبيرة، كون المداخيل الخليجيّة تنخفض بسبب انخفاض أسعار النفط، مشددا في الوقت نفسه على أن المستفيد منها هو اللبناني أولا والقطري ثانيا، كون الأخير يستثمر الأموال وسيربح الفائدة، والأول تمكّن من ضرب عصفورين بحجر واحد، فحصل على الأموال وكسب الثقة التي تشكل اشارة إيجابيّة للاسواق الماليّة العالميّة.
يختلف الاستثمار بالسندات الحكوميّة عن الوديعة، فالمصرف المركزي لا يستفيد من الأولى، وبالتالي لا علاقة لسلامة النقد بشراء سندات حكوميّة، ولكن الأهميّة الكبرى للإقتصاد هي "نفسيّة"، خصوصا بعد أن اكتسب "العامل النفسي" أهميّة مماثلة "للموضوع المالي"، على أمل أن تشكّل هذه الخطوة القطريّة بداية لعودة الثقة والاستثمارات العربيّة الى لبنان.