بعيداً عن التشاؤم العاطفي في مقاربة القضايا السياسية المحلية، لا بدّ من التوقف أمام واقع موضوعي لا ينبئ بالخير على مستوى الوضع الأمني الداخلي. كلّ شيء معطّل نسبيا بما يتعلق بنَفَس حياة الدولة.
تنفيذياً، الحكومة في "خبر كان" كما صرّح سابقًا رئيس المجلس النيابي نبيه برّي بشأن المبادرات التشكيليّة التي أصبحت "فعل" ماض ناقص على حدِّ قوله الصريح، وبالرغم من الأجواء التفاؤليّة الّتي أشيعت خلال الساعات القليلة الماضية.
برلمانياً، مجلس النواب يحتفل بعيده السنة بعد اشهر قليلة دون إنجازات تشريعيّة او رقابيّة تحقّق الحد الأدنى مما تضمنته البرامج الانتخابية. الركود داخل أروقة البرلمان حوّله الى مجلس عزاء بما يتوافق مع عادة بعض النواب على كيفية تمضية أيامهم .
قضائياً، النظام القضائي ينوء تحت وطأة أعداد القضايا،غياب التجهيزات الالكترونية للمحاكم والتدخلات السياسيّة في كثير من الأحيان. وأيضاً، إنّ اكتظاظ السجون اضافة الى مساوئه على السجناء وعائلاتهم فهي قضيّة ترهق كاهل القضاء الجزائي، في ظل قوانين عقوبات واصول محاكمات جزائيّة بالية بعيدة عن التطور القانوني العالمي تلزمهم التقيد بها، ولئن كانت قناعات القضاة الانسانية وثقافاتهم العدليّة تذهب بعكسها. وهنا، يطول الكلام حول موقع لبنان من قانون أصول إجرائيّة حديث وقانون عقوبات متطوّر بأبوابه ينصّ على "العقوبات البديلة".
اقتصادياً، الركود في مجمل القطاعات ثابت، التهديد بعقوبات اقتصاديّة وماليّة على لبنان مستمرّ، الدين العام وفوائده استحقاقات دائمة في ظل أزمات تمويليّة للخزينة لا تجد سوى جيب المواطن الملاذ لها.
اجتماعياً: الفقر، البطالة، غياب فرص العمل، الطبابة، التعليم، ضمان الشيخوخة صرخات متعالية بين مختلف أطياف المجتمع في الشارع والجامعات والنقابات والجمعيات ولكن، لا حلول قريبة في الأفق.
إنّ ما تقدّم لَيْس بجديد على لبنان الذي اعتاد التعطيل في حقبات عدّة من تاريخه القديم والحديث، ولكن للأسف، لطالما كان النهوض من هذه الحالة يتحقق بعد حدث ما ضخم ينتج صدمة على مختلف المستويات ايضا.
نذكر هنا على سبيل المثال، الحرب اللبنانية، الاجتياح الاسرائيلي، اتفاق الطائف، اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، حرب تموز ٢٠٠٦، الاغتيالات التي استهدفت شخصيات... واضح ان الركود كان دوما للأيادي الظلاميّة الخارجيّة سبيلاً ممهداً ووسيلة أوّليّة لزرع الضغينة المؤدّية الى الفتنة والفوضى "الخلاقة"، والتي تنبت بعد حدث ضخم أليم يؤجّج الصراعات الداخليّة والاتّهامات المتبادلة، وصولا الى ما تصبو اليه المخطّطات والمؤامرات من تقسيم او احتلال للأرض والشعب.
أمّا اليوم، لا شكّ ان لبنان حقّق الانتصارات بدحر الارهابيين عن حدوده الشرقيّة وبكشف العديد من الخلايا النائمة التكفيرية، فالوضع الأمني بحالة من الاستقرار، فهل يُضرَب هذا المرفق سعيا لتفاقم الأوضاع في لبنان تمهيدا لفرض حلول قسريّة ترضي اجندات تخريبيّة؟.
لماذا غاب قادة الدول العربيّة عن حضور القمّة العربية التنمويّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي عقدت في بيروت؟. هل سُرّبت بعض الهواجس الأمنية؟. يتوالى الطيران الاسرائيلي على التحليق، في استباحة واعتداء على الأجواء اللبنانية، والمجتمع الدولي صامت. طبعاً، اسرائيل تهاب الحرب مع لبنان ولكن، هل تريد له السلام؟ طبعا لا.
ان المعارك السياسية الداخلية في دولة برلمانيّة ركن من أركان الديمقراطيّة واحترام التنوّع والتعدديّة طالما لا تتعدّى على حقوق المواطن وعلى سيادة السلطات .
لا مصلحة لأيّ فريق لبناني بنقل المعارك من سياسيّة الى دمويّة. ولكن، لأيادٍ خارجية مصلحة كبرى في ذلك.
عسى ان يحصّن لبنان السياسي أمنه بدءا من انتشال الوطن من جموده سواء بتشكيل حكومة او اعادة تسمية رئيس حكومة مكلف او مؤتمر تأسيسي يرضي كل الأطراف، حقبة الجمود لا بدّ من كسرها لقطع الطريق على أيّ بيئة حاضنة تخريبيّة دمويّة لن تجد في ظل استحالة الحرب اللبنانيّة واستحالة الاحتلال العسكري سوى الاغتيالات سبيلا لها.