في توقيت سياسي دقيق يرتبط مباشرة بمصير التكليف الثالث للرئيس سعد الحريري بتأليف الحكومة، وعلى بُعد تسعة أشهر من إنتهاء الانتخابات النيابية التي لم تكن بمقدار آمال تيار «المستقبل»، أصدر الحريري سلسلة قرارات تنظيمية وتعيينات كان الأبرز فيها إعادة تعيين أحمد الحريري أميناً عاماً لـ لتيار «المستقبل»، وتكريس موقع تنظيمي للمرة الأولى للنائب السابق عقاب صقر كمساعد للأمين العام للشؤون السياسية والتثقيفية، فيما غلب الطابعُ الشبابيّ على نصف تركيبة «الأمانة العامة».
ترافقت إستقالةُ نادر الحريري من إدارة مكتب الرئيس الحريري في 12 أيار العام الماضي غداة الانتخابات النيابية مع سلسلة إجراءات تنظيمية غير مسبوقة في مسار تيار «المستقبل»، بعد منح المكتب السياسي الحريري صلاحياتٍ إستثنائية، شملت تجميدَ عمل «هيئة شؤون الانتخابات» ومجالس منسّقيات بيروت والبقاع الغربي والبقاع الأوسط والكورة وزغرتا، وإحالة عدد من الهيئات الى «هيئة الإشراف» للنظر في أدائها.
كذلك شملت الإجراءات، في مرحلة ثانية، إعفاءَ مدير دائرة المتابعة في مكتب الحريري، ماهر أبو الخدود من مهماته، فيما لا يزال عملُه مستمرّاً الى جانب وزير الداخلية نهاد المشنوق ويرافقه في كل زياراته الى الخارج، وإعفاء المنسّق العام للانتخابات وسام الحريري من مسؤولياته في «هيئة شؤون الانتخابات».
وكما كان متوقعاً، وبناءً للصلاحيات الاستثنائية المعطاة للحريري، صدر قرار بإعادة تشكيل هيئات «التيار» شملت المنسّقيات المنحلّة في كل من بيروت والبقاعين الغربي والأوسط، حيث عيّن سامر سوبرة منسقاً عاماً في بيروت، وسعيد ياسين منسّقاً عاماً في البقاع الأوسط، وعلي صفية منسقاً عاماً في البقاع الغربي وراشيا، وتمّ تكليفهم إعادة تشكيل مكتب ومجلس منسقيات مناطقهم خلال مدة شهر بالتنسيق مع الأمين العام، فيما تمّ توحيد النطاق الجغرافي للمنسقيات الثلاث الكورة، زغرتا، البترون وجبيل في نطاق جغرافي واحد، وكلّف مكتب «الأمانة العامة» إتخاذ إجراءات التوحيد بين الهيئات التنظيمية للمنسقيات الثلاث السابقة خلال فترة شهرين (سيتمّ تعيين منسق واحد لها).
وفيما عُيّن النائب السابق عمار حوري مستشاراً في مكتب الرئيس الحريري وأضيف لاحقاً إسم عقاب صقر في الموقع نفسه، أصدر رئيس تيار «المستقبل» قراراً بإعادة تشكيل مكتب الأمانة العامة المؤلف من عشرة أعضاء برئاسة الأمين العام أحمد الحريري الذي أُعيد تعيينه للمرة الثالثة.
وكان لافتاً إلغاء ثلاثة مواقع ضمن تركيبة الامانة العامة السابقة، وتعديل صفات بعض المواقع (من أمين عام مساعد الى مساعد للأمين العام مثلاً)، وطغيان الطابع الشبابي على «الأمانة العامة»، فيما شكّلت تعيينات أحمد الحريري لفريق مكتبه ومستشاريه ما يشبه التعويض المعنوي لأشخاص تمّ إعفاؤهم من بعض الملفات الأساسية التي كانت في عهدتهم.
تعليقاً على النفضة التنظيمية داخل «البيت الأزرق» يقول الأمين العام أحمد الحريري لـ «الجمهورية»: «القرارات واضحة، وكانت منتظرة في ضوء التوجّهات التي أعلن عنها الرئيس الحريري سابقاً، لإعادة تشكيل هيئات التيار، بالإستناد إلى قراءة ظروف المرحلة الماضية ومراجعتها، واستخلاص دروسها من أجل الإنطلاق للمرحلة المقبلة، بالبناء على خلاصة المسار الانتخابي، وما سبقه وتلاه».
وأضاف: «كان القرار بأن تصدر في مطلع 2019، وقبل الذكرى الـ 14 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، لتكون فاتحة خير على صعيد إعادة ترتيب البيت «المستقبلي»، وتكوين فريق عمل متماسك، على صعيد الأمانة العامة والمكتب التنفيذي، من أجل تزخيم مسار «التيار» وآليات عمله على كافة المستويات السياسية والشعبية والتنظيمية والاعلامية، وتأمين ما يلزم لاستمراره في تأدية رسالته تياراً للناس، ومن الناس، التي كانت ولا تزال الأساس في مسيرة الرئيس الشهيد الحريري، بقيادة الرئيس الحريري».
ورداً على سؤال حول إعادة النائب السابق صقر الى الضوء من البوابة التنظيمية للحزب هذه المرة، خصوصاً لجهة دوره السياسي الملتبس في المرحلة الماضية، يقول الحريري: «لا يحتاج الأمر إلى أيّ تفسير. عقاب صقر كان عضواً في كتلة «المستقبل» النيابية في السنوات الماضية، واليوم قرار الحريري واضح بتوظيف خبرته السياسية في خدمة تيار»المستقبل»، في إطار مكتب الأمانة العامة، ضمن المسؤولية التي سيتولّاها كمساعد الأمين العام للشؤون السياسية والتثقيفية».
في المقابل، تؤكد مصادر الرئيس الحريري أنّ إعادة تعيين إبن عمته أحمد الحريري على رأس الأمانة العامة لـ «التيار»، على رغم التساؤلات التي طُرحت في شأن أدائه قبل الانتخابات النيابية وخلالها، وتحميله البعض المسؤولية المباشرة عن خسارة «التيار» في بعض الدوائر الانتخابية، «هو تأكيد متجدّد للثقة الكبيرة التي يوليه إياها من خلال متابعته المباشرة لما يتحمّله من مسؤوليات، وتقديره لما يقوم به من مهمات سياسية وشعبية وتنظيمية في خدمة التيار وناسه، كما أنّ هذه الخطوة تضع حدّاً حاسماً لكل هذه التساؤلات والاتهامات التي كانت تنطلق في معظمها من حملات تشكيك مكشوفة معروفة الأهداف والنيات».
هكذا عاد عقاب صقر، الغائب عن المشهد السياسي منذ سنوات والمُبعد عن الانتخابات النيابية، الى الضوء بتعيينه مستشاراً في مكتب الرئيس الحريري ومساعداً للأمين العام للشؤون السياسية والتثقيفية، وهي المرة الأولى التي يعيّن فيها نائب سابق في الأمانة العامة، مع العلم أن مختار حيدر كان يشغل موقع منسق هيئة التثقيف السياسي في «الأمانة العامة».
وكان بارزاً تعيين العميد المتقاعد محمود الجمل عضواً في «الأمانة العامة». وكان الجمل قد شغل موقع منسق تيار»المستقبل» في بيروت لسنوات عدة، وارتبط اسمُه بعدد من التوترات الأمنية التي شهدتها العاصمة خلال مرحلة الفرز السياسي الحاد بين فريقي 8 و14 آذار إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ولاحقاً عمل مستشاراً للحريري لشؤون الشباب البيروتي، ثم عُيّن أميناً عاماً مساعداً للشؤون الداخلية، وهي من المواقع التي أُلغيت في تركيبة الأمانة العامة الجديدة، إضافة الى إلغاء موقع منسق هيئة شؤون التواصل الشعبي (كان يشغله محمود القيسي الذي عُيّن عضواً في مكتب «الأمانة العامة»)، وموقع الأمين العام المساعد للشؤون المالية والإدارية.
كذلك حضرت «ملائكة» الرئيس فؤاد السنيورة من خلال تعيين فادي تميم مستشاره السابق ورئيس النادي الثقافي العربي مساعداً للأمين العام لشؤون العلاقات العامة. وكان سلام عبد الملك يشغل هذا الموقع، وبات بحكم التعيينات الجديدة من ضمن الفريق الاستشاري والمساعد لأحمد الحريري (أمين سر) الى جانب مختار سليمان حيدر (مستشاراً للأمين العام)، وأحمد رباح (مستشاراً في مكتب الامين العام)، وبسام شكر (عضواً في مكتب الامين العام).
وقد حلّ وسام شبلي مساعداً للأمين العام للشؤون التنظيمية مكان أحمد رباح. وعُيّن أحمد رشواني منسقاً عاماً لشؤون العلاقات الخارجية مكان خليل شقير الذي كان يشغل الموقع نفسه، لكن تحت عنوان الأمين العام المساعد لشؤون العلاقات الخارجية.
ويصنّف كل من عبد السلام موسى الذي أبقي على موقعه كمنسق عام لشؤون الاعلام، ووسام شبلي مساعد الامين العام للشؤون التنظيمية، وجلال كبريت مساعد الأمين العام لشؤون الفعاليات التنظيمية، وأحمد رشواني منسق عام شؤون العلاقات الخارجية، إضافة الى الأمين العام، من الفئة الشبابية ضمن تركيبة «الأمانة العامة».
وكان لافتاً عدم تعيين منسّق عام للانتخابات مكان وسام الحريري الذي أُعفي من مهماته بعد إنتهاء الانتخابات.
وكان يفترض في بداية السنة أن يُقدّم أمين سرّ «هيئة الإشراف والرقابة» محمد مراد تقريراً حول عمل الماكينة اللوجستية المركزية والمنسقيات التي طاولتها قراراتُ التجميد بناءً على تقارير مرسلة اليها من «الأمانة العامة» لتحديد المسؤوليات، لكن هذا الأمر لم يحصل حتى الآن. مع العلم أنّ اللجان الاستشارية في بيروت والبقاعين الغربي والأوسط أنهت منذ أشهر تقاريرها حول مكامن الخلل والتقصير في الانتخابات النيابية الأخيرة، وهي في عهدة الحريري حالياً.