وضع المدعي العام المالي علي إبراهيم يده على ملف أوجيرو، بعد إخبارين من وزارة مكافحة الفساد. وبعد جلسة استماع أولى، صارت إدارة الهيئة مطالبة بتبرير صرفها لـ160 مليون دولار من حسابها في مصرف لبنان، من دون أي سند قانوني. فهل تسعفها حجة تسيير المرفق العام؟ وهل تبرر مساعي تعديل مهام الهيئة… تأخير توقيع العقد لسنتين؟
قبل أن ينتهي العام 2018 بأيام كان المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم يتلقى إخباراً جديداً من وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، يتعلق «بمخالفات مالية في أوجيرو». بشكل أدق، يتحدث الإخبار عما تردد بشأن قيام هيئة أوجيرو بإنفاق الأموال المتراكمة في حساب الهيئة والبالغة 160 مليون دولار، على أعمال ضخمة ومكلفة جداً لمصلحة وزارة الاتصالات طيلة العامين 2017 و2018، من دون توقيع أي عقد وخارج أي تمويل.
وبحسب الإخبار، فإن هذا المبلغ المتراكم هو ملك المساهم الوحيد في الهيئة، أي الدولة اللبنانية، ولا يمكن التصرف به إلا بقرار من مجلس الوزراء، على ما تنص عليه قوانين الهيئة وأنظمتها الخاصة بها.
كذلك يركز الإخبار أنه لا يحق لهيئة أوجيرو أن تصرف أي نفقات من دون حجز اعتماد وعقد نفقة ومن دون اعتمادات محددة ودقيقة في موازنتها. كما لا يحق لها أن تصرف على أعمال عائدة لوزارة الاتصالات، إلا بوجود التمويل لذلك. وهذا أمر ينص عليه النظام المالي لهيئة أوجيرو، معتبراً أن خلاف ذلك يعتبر اختلاساً لأموال الهيئة يحاسب عليه المسؤولون من مالهم الخاص.
وبناء على هذا الإخبار، والإخبار الذي تلاه، أي الإخبار المتعلق باحتمال فقدان مبالغ كبيرة من صندوق تعويضات نهاية الخدمة العائد للعاملين والمستخدمين في أوجيرو، والذي لم يعد يوجد فيه سوى 900 مليون ليرة، في حين أنه من المفترض ألا يقلّ هذا المبلغ عن المئة مليار ليرة، استمع المدعي العام المالي علي إبراهيم إلى رئيس أوجيرو عماد كريدية وإلى المدير المالي في الهيئة محمد محيدلي. كما طلب منهما تزويده بمعلومات إضافية ومستندات عن المسألتين لمتابعة التحقيق.
من وجهة نظر كريدية، فإن صرف هذه المبالغ لا غبار عليه قانونياً، مشيراً إلى أنه يعمل وفق النظام المالي لهيئة أوجيرو، ويخضع للرقابة. كما يذكّر كريدية أن التفتيش المركزي عمد إلى التدقيق مرتين في عمل الهيئة ولم يتبين في المرتين وجود أي مخالفة. وأكثر من ذلك، يوضح المدير العام لأوجيرو أن الصرف في العامين 2017 و2018 تم بتوقيع من وزير الاتصالات على إحالة يطلب فيها من أوجيرو استمرار العمل بموجب العقد المنشأ في العام 2016، التزاماً بمبدأ استمرارية المرفق العام.
لكن لماذا لم توقع العقود في موعدها؟ يعود التأخير، بحسب أوجيرو، إلى رفض ديوان المحاسبة لمشروع العقد الجديد، بحجة أن التكنولوجيا اختلفت وأن الأطر التي تريدها الهيئة مختلفة عن العقد السابق. وبالتالي، طلب الديوان الحصول على موافقة مجلس الوزراء، فكان الانتظار إلى حين أصدر المجلس مرسوماً يقضي بتوسيع صلاحيات أوجيرو، ويعود العقد إلى مساره القانوني قبل أن يُوقع أخيراً.
لكن إذا كان التأخير في إنجاز العقود يعود إلى ضرورة تضمينها المهام الإضافية التي طلبها مجلس الوزراء، فهذا أمر لا يستقيم مع حقيقة أن المرسوم الحكومي صدر في منتصف شهر حزيران 2018. أي بعد عام ونصف من بداية العام 2017، وبعد نصف سنة من بداية العام 2018. في حين أن عقود الصيانة والتشغيل يقتضي أن تكون جاهزة ونافذة عند بداية كل سنة.
وهذا يعني عملياً أن مبدأ تسيير المرفق العام، قانونياً، كان يقتضي السير في العقد الذي أنجزته الإدارة السابقة لأوجيرو في عهد وزير الاتصالات السابق بطرس حرب، وكان جاهزاً للتوقيع عندما شكّلت الحكومة الحالية. وهو العقد الذي يتضمن البنود نفسها التي يتضمنها عقد العام 2016 الذي تؤكد الإدارة الحالية لأوجيرو أنها اعتمدته مرجعاً لتسيير الأعمال في العام 2017 ومعظم العام 2018. وبحسب مصدر قانوني، كان يمكن لهذه الخطوة البديهية، أي توقيع العقد، كما هو، أن تقونن الصرف في أوجيرو، إلى حين صدور قرار مجلس الوزراء بدلاً من التمادي في الصرف خلافاً للقانون بانتظار المرسوم. والأهم أن التوقيع كان ليؤدي إلى الحفاظ على الربح المتراكم لدى هيئة أوجيرو خلال أكثر من 10 سنوات والبالغ 160 مليون دولار، بدلاً من أن يصرف خارج الإطار التعاقدي، مع ما يتبع ذلك من مخالفات قانونية.
حجة تسيير المرفق العام ليست مبرراً للصرف خلافاً للقانون، يقول رئيس نقابة خبراء المحاسبة السابق أمين صالح. هو يذهب بالمقارنة إلى حد الإشارة إلى أن الدولة كلها يفترض أن تتوقف عن العمل في حال عدم وجود سند قانوني للصرف والجباية، أي الموازنة، فكيف بالحري بعقد تشغيل واستثمار لهيئة عامة؟
وأكثر من ذلك، يوضح مصدر مطلع أن عدم وجود العقد يعني عملياً تنفيذ الأعمال من دون لجان استلام ومن دون مراقبة ديوان المحاسبة السابقة أو المؤخرة ومن دون علم مراقب عقد النفقات المقيم في وزارة الاتصالات ومن دون علم كل من المحتسب المركزي ورئيس دائرة المحاسبة العمومية في وزارة الاتصالات، ومن دون ظهور هذه النفقات في قيود وزارة الاتصالات أو قيود وزارة المالية.
لم توقع أجيرو و«الاتصالات» عقداً خلال سنتين بحجة انتظار تعديله
وحتى مع افتراض قانونية الصرف، بالطريقة التي جرت فيها، ألا يفترض ذلك ضبط النفقات إلى الحدود الدنيا؟ فهل تسيير المرفق العام يقتضي تغيير لوغو أوجيرو وشراء سيارات جديدة، وتغيير نظام الفوترة، وتوقيع عقود استشارية، إضافة إلى إجراء دراسات لإعادة الهيكلة وتوظيف 800 مياوماً، أغلبيتهم وظفوا لأسباب سياسية...؟ ألا يعني ذلك أن الأولوية كانت للصرف بعيداً من أعين الرقابة التي يفرضها توقيع العقد؟
ومع التسليم أن هذه الأعمال تدخل في خانة الضرورة، فهل هي ضرورية إلى درجة تبديد 160 مليون دولار، هي كل ما جمعته الهيئة خلال سنوات، في لحظة تاريخية حرجة وحساسة في حياة القطاع العام للاتصالات وحياة أوجيرو؟
وللتذكير فقط، فإن مؤتمر «سيدر» تضمن شروطاً تتعلق بضرورة خصخصة قطاع الاتصالات والتوجه قريباً جداً لتنفيذ قانون الاتصالات 431/2002 الذي يقول بتصفية هيئة أوجيرو وصرف موظفيها. علماً أن هذه الأرباح المتراكمة في الحساب الخاص للهيئة في مصرف لبنان كانت تشكل حتى الأمس أهم ضمانة لحماية حقوق ومستحقات وتعويضات ومستقبل العاملين في الهيئة.