منذ أشهر تولّت الصحافة الأجنبية ضرب السيّاحة في لبنان، عبر الترويج لأخبار أزمة النّفايات، أو تعميم حوادث التلوّث على كل البلد، وترافق الأمر مع تقارير دوليّة قد تكون أحيانا من منظّمات غير رسميّة، تتحدّث عن صعوبة الوضع الاقتصادي واحتمال الانهيار المالي، بالإضافة الى التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية الرسميّة المتخوّفة من انهيار الليرة، وعدم قدرة الدولة اللبنانيّة على الإيفاء بالتزاماتها.
لا شك أنّ الوضع في لبنان صعب، وان المواطنين يعانون من صعوبات اقتصاديّة سببها غياب الاستثمارات الأجنبيّة بهدف الضّغط السياسي على لبنان، على عكس ما يحاولون إشاعته بأن هذا الغياب سببه الوضع الأمني أو السيّاسي، كون لبنان هو البلد الأفضل أمنيا ضمن بلدان العالم كله، هذا دون ان ننسى إرهاق الاقتصاد اللبناني بأزمة النزوح السوري.
كلّما حاولت الدولة الوقوف على قدميها مجددا يصدر تقرير دولي مالي يثير الرعب من جديد، وهذا ما لا يعكس حقيقة الأمور، بحسب مصادر مطّلعة على الواقع المالي في لبنان، مشيرة الى أنّ كل الإشاعات التي أثيرت عن عدم قدرة لبنان على الإيفاء بالتزاماته الماليّة ثبُت كذبها، مشدّدة على أن الدولة اللبنانيّة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها الماليّة ليس فقط لعام 2019 بل لأعوام إضافية.
لم يكن تقرير "موديز" الذي خفّض تصنيف لبنان منذ أيام مفاجئا، ولو أنه جاء بتوقيت غريب اذ لم يمرّ بعد على التقرير السابق فترة ثلاثة أشهر كما جرت العادة، فما نصّ عليه كان متوقعا كون العاملين في "موديز" يعدّون التقرير بالاستناد الى أرقام ماليّة واضحة، كالدين العام، النمو الاقتصادي، الى جانب عوامل سياسيّة، ولكن كل هذه العوامل لا تؤشّر لانهيار قريب يريد البعض حصوله ولو في نفوس اللبنانيين، قبل جيوبهم.
"ينبغي التفريق بين الوضع الإقتصادي والوضع المالي ولو أنهما مترابطين"، يقول رئيس التكتّل الاقتصادي اللبناني دكتور حسن تاج الدين، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أنّ الإعلام عندما يتحدّث عن إفلاس الدولة فهذا يعني وضعها المالي والنقدي لا وضعها الاقتصادي.
نعم يعاني الوضع الاقتصادي منذ 25 عاما وهذا ليس بأمرٍ جديد، والسبب الاساسي لهذه المعاناة هو غياب السياسات الاقتصاديّة السّليمة، وغياب الفكر الاقتصادي الذي يحول لبنان من بلد متلقّ الى بلد مصنّع، بالاضافة الى غياب الاهتمام بالزراعة، وضعف الخطط السياحيّة التي جعلتنا ننحدر من كوننا البلد الأول سياحيّا في الشرق الاوسط الى بلد يعاني على مستوى السياحة، ولكن هذا كله لا يعني بحسب تاج الدين أن "الاقتصاد" لن يبقى مرتاحا أقلّه حتى انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
اما بالنسبة للوضع المالي والنقدي والذي هو أساس البحث عند قراءة أيّ تقرير عن قرب انهيار الدولة، فهنا لا بد من القول أن حربًا ماليّة تُخاض ضدّ لبنان بهدف إخضاعه. وفي هذا السيّاق يشدد تاج الدين على أن "عوامل الانهيار غير متوافرة إطلاقا"، مشيرا الى أنّ الثقة بمصرف لبنان والنّظام المالي وحاكم المصرف لا تزال قائمة، وتحويلات المغتربين بالعملة الصعبة لم تتوقف رغم نقص وتيرتها الناتج عن تغيّر الوضع الاقتصادي العالمي.
يشدد دكتور تاج الدين على أهميّة الخطوات التي يقوم بها المصرف المركزي، وأبرزها إعادة العمل بقروض الإسكان ولو بمبلغ قليل، الأمر الذي سيساهم بضخّ سيولة في السوق ويُنهي حالة عدم الاستقرار الناتجة عن الركود العقاري. ويضيف: "المشكلة بالشقّ المالي هيَ بالسيولة ونحن نفضّل أن تكون استدانة الدولة من الخارج كما حصل مع قطر لان الاستدانة من المصارف الداخليّة سيحرم السوق من دخول أموال جديدة، وسيجعل المصارف تنتهج سياسات تمكّنها من الحصول على الاموال من المواطنين"، مشدّدا على أن ما يحتويه المصرف المركزي من ودائع بالعملات الصعبة يجعله قادرا على الصمود لثلاثة أعوام، في أسوأ الظروف.
تؤكد المصادر المطلعة على الوضع المالي، أن المصرف المركزي يملك ما يريد من اجل خوض الحرب الماليّة لأشهر طويلة، وبالتالي لا صحّة لما يُقال عن انهيار. وتشرح: "لبنان يحتاج الى نحو 8 مليارات ونصف المليار دولار سنويا للإيفاء بالتزاماته الماليّة، وبالتالي كلّما توافرت لديه العملة الصعبة التي "يستوردها" من الخارج كلما ازداد الشعور بالارتياح، أمّا ما يحصل اليوم فهو التضييق عليه لمنع حصوله على هذه العملة، والترويج لسقوط قدرته على الدفع"، كاشفة أن الحقيقة تبيّن ان بحوزة المصرف المركزي احتياطا من العملة الصعبة يقدّر بـ44 مليار دولار، وكمية كبيرة من الاحتياطي بالذهب، ما يجعله قادرا على تسديد كل الالتزامات المطلوبة منه بالعملة الصعبة حتى ولو لم تتمكن الدولة من استيراد دولار واحد من الخارج".
اذا هي معركة سياسيّة خارجيّة تُخاض بوجه لبنان، بدأت منذ أشهر وتحديدا بعد الانتخابات النيابيّة العام الماضي، ما يعني أنه لا يجوز أن يُشارك الاعلام اللبناني بها ولو عن غير قصد، فالوضع الاقتصادي صعب وهذا صحيح، ولكن لا خطر انهيار مالي، والترويج لهذا الانهيار قد يكون أخطر من الانهيار نفسه.