بالنسبة الى الكثيرين، قد لا تكون ثلاثة اشهر فترة طويلة بالنسبة الى مسؤول او زعيم سياسي لم يتوجّه بالحديث الى مؤيديه او محبّيه او متابعيه بشكل علني، ولكن بالنسبة الى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فإن الامر مغاير تماماً لان هذه الفترة تعتبر طويلة جداً في ظل ما يشهده لبنان من تطورات فرضتها عليه الاوضاع في المنطقة.
ولكن، هذه الفترة من الغياب، ومهما اعطيت تفسيرات حول الاسباب الموجبة لها، اوجبها ما قطع استمرارها على اصعدة ثلاث: شعبيّة، اسرائيليّة وحكوميّة. الجبهة الاولى قد تكون هي الاكثر تأثيراً وضغطاً وتتعلق بالمؤيّدين والمناصرين، فلا يمكن الاستهانة بشائعة تتعلّق بمرض زعيم سياسي خصوصاً اذا ما كان الامر يتعلّق بحزب عقائدي، وكان لا بد من "طمأنة" القاعدة الشعبيّة كي لا يفلت زمام الامور وتهدّد المسألة بحصول مشاكل بين القيادة والقاعدة، وبذلك يكون الحلّ الاسهل هو الظهور العلني ودحض الشائعات بشكل مباشر ودون وسيط او مصدر. وعلى الرغم من تفهّم قلق القاعدة على زعيمها، يبقى من غير المقبول بتاتاً معاودة ظاهرة اطلاق النار في الهواء عند ظهور أيّ مسؤول سياسيّ او حزبيّ، على غرار ما حصل حين اطلّ نصر الله على الشاشة، لأنّه تم الاتفاق مع الجميع على أنّ مثل هذه الاعمال تشير الى تخلّف من يقوم بها، تحت أيّ ذريعة كان، كما أنّ من شأنها إثارة سخط المعارضين الذين يرون فيها تقويضاً لحضور الدولة، كما انها لا تقدّم ولا تؤخّر في التعبير عن المشاعر، فالفرح يمكن التعبير عنه بوسائل لا تقتل الآخرين او تخيفهم.
النقطة الثانية كانت متعلقة بالتهديدات الاسرائيلية وقضية "الأنفاق" التي أخذت حقّها في وسائل الاعلام وفي المنابر العالميّة. ولا شك أنّ تخصيص نصر الله حيزاً من المقابلة للحديث عن هذه الانفاق، انما يشكّل إشارة واضحة لكل من أراد سماع ردّة الفعل الاوليّة للحزب دون مواربة وبطريقة صريحة. وللانصاف، فإنّ الارتياح الّذي تحدّث عنه الامين العام لحزب الله، لم يصرف الانتباه عن اكتشاف اسرائيل لهذه الانفاق، رغم اعتباره "أنّهم تأخروا" في اكتشافها، ولكنّه في المقابل أبقى على الغموض التام بالنسبة الى هذه الانفاق (وغيرها!) وتمكّن بفعل خبرته في التعاطي مع التهديدات الاسرائيلية، أنْ يقلب الامور بحيث تصبح اسرائيل مُهدَّدة بعد ان كانت المُهَدِّدة. والأهمّ أنّ نصر الله اعطى ايضاً فترة من الطمأنينة بالنسبة الى اللبنانيين من خلال تأكيده عدم الرغبة في إشعال حرب، دون أنْ يعني ذلك عدم الاستعداد والرغبة في المواجهة اذا ما تم فرضها من قبل الاسرائيليين، وهذا الامر يعني أنّ ورقة الخوف انتقلت من اليد الاسرائيليّة الى اليد اللبنانيّة. كما استحصل على اعتراف اسرائيل من رئيس وزرائها نفسه اي بنامين نتانياهو ان مسألة الدخول الى الجليل لم تعد افتراضاً بل يمكن ان تتحول في أيّ لحظة الى واقع لا يمكن تجنّبه، وهذا بحدّ ذاته جرعة معنويّة مهمّة للحزب أتته مباشرة من اسرائيل.
اما النقطة الثالثة التي أثيرت خلال المقابلة، فكانت وضع الحزب في لبنان، والكلام عن السيطرة على البلد. وكان من البديهي أن يتحدث حزب الله عن الموضوع بشكل رسمي وعلى لسان امينه العام، لان العلاقة مع العديد من الاطراف الاخرى باتت على المحكّ وخصوصاً مع رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون والتيّار الوطني الحر، اضافة الى ضلوع الحزب بالمشكلة الاخيرة والمتعلّقة بتمثيل النواب السنّة الستّة (اللقاء التشاوري) في الحكومة. ومرة جديدة، لم يقطع نصر الله شعرة معاوية، واعاد نسج الخيوط مع الجميع، بمن فيهم رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، في رسالة تطمينيّة الى عدم تصديق ما تردد عن نيّة الحزب في تغيير الحريري او التعامل مع غيره رئيس للحكومة. اما الحديث عن المثالثة، فقد نفاه نصر الله جملة وتفصيلاً مشدداً على عدم النية بالمساس بالطائف، ما يعني بطريقة غير مباشرة اعطاء "صكّ براءة" لرئيس الجمهورية وسواه بأنّهم يعملون على تغيير الطائف عبر اعتماد المثالثة.
هذه بعض من الامور التي أوجَبَت على نصر الله ان يطل عبر الاعلام، فما الذي سيحصل بعدها؟.