لم يتردّد رئيس الجمهورية ميشال عون أمام زوّاره في إظهار تصميمه النهائي على إنهاء ملفّ تأليف الحكومة هذا الأُسبوع.
بدا رئيس الجمهورية حاسماً في أنّ هذا الاسبوع سيحمل الجواب النهائي في شأن معضلة التأليف. فإمّا تأمين الولادة الحكومية التي طال انتظارُها كثيراً، أو الذهاب الى خيارات أُخرى طابعها هجومي.
وفيما لم يُخفِ عون ترجيحه ولادة الحل على الذهاب الى خيارات المواجهة، تحدّث عن تكريسه خيار تمثيل «اللقاء التشاوري» من حصته.
ويقضي هذا الحلّ بفصل حصة رئيس الجمهورية الوزارية عن حصة «التيار الوطني الحر» وأن يكون ممثل «اللقاء التشاوري» في الحكومة من حصة رئيس الجمهورية ـ بحيث إنّ هذا التمثيل يخص «اللقاء» بكامله، بما معناه أن يجتمع هذا الوزير مع اعضاء «اللقاء التشاوري». لكنّ وجوده من ضمن حصة رئيس الجمهورية تعني ايضاً أن لا يكون على تعارض في مواقفه الحكومية مع مواقف عون.
وقيل إنّ الرئيس المكلف سعد الحريري تبلّغ هذا الموقف عبر الوزير جبران باسيل، الامر الذي جعله يندفع في مشاوراته معتبراً أنّ الحكومة اصبحت في اليد. ذلك أنّ إيجاد حلّ لمشكلة تمثيل «اللقاء التشاوري» تعني إزالة العقبة الجدّية التي تعوق ولادة الحكومة. فالعقبة هنا تتعلّق بموضوع التوازنات.
وهي اساسية، اما عقدة الحقائب الوزارية والتي يسعى الحريري الى ايجاد حلٍّ فعليٍّ لها فلا تكتسب صفة العقدة الاساسية او عقدة توازنات الحكومة بل عقدة ثانوية وتتعلّق بـ«الدَلَع»، ما يعني انّ حسمَها قابلٌ للحصول، وأنها لا تمنع إصدار التشكيلة الحكومية حتى ولو أبدى أحد الأطراف «زعله». فهو في هذه الحال غير قادر على منع الولادة الحكومية.
وفق هذه الصورة فإنّ التقديرات تشير الى أنّ ولادة الحكومة خلال ايام مسألة حتمية. لكنّ الخشية من عدم إنجاز التسوية الحكومية ما تزال كبيرة، ولهذه الخشية اسبابُها الكثيرة والخبيثة.
فمنذ نحو شهر كادت الحكومة أن تبصر النور، الامر الذي لم يحصل في اللحظات الاخيرة. يومَها كان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم «يُهندس» من خلال وساطته المَخرَج الآمن لولادة الحكومة.
كان رئيس الجمهورية قد أعلن موافقته على تبنّي «حلّ» تأمين توزير ممثل عن «اللقاء التشاوري» من حصته. وظهر إسم جواد عدرا، لكنّ باسيل الذي كان اتصل مرتين قبل ذلك بابراهيم ليوقف مسارَ التأليف معلناً معارضته الحل، طلب في المرة الثالثة من عدرا تجاهل إلحاح الوزير السابق فيصل كرامي على الإجتماع به قبل أن يعود ويوافق على هذا الاجتماع مشترِطاً على عدرا الإبلاغ الى «اللقاء التشاوري» أنه لن يلتزم بهم، فطارت الحكومة التي كادت أن تبصر النور.
وصحيح انّ باسيل ابلغ شخصياً الى الحريري الحلَّ الذي وافق عليه عون، إلّا أنه اضاف عليه طلباً «ملغوماً» بضرورة حفظ ماء وجهه، واندفع في موازاة ذلك في معركة الحصول على حقائب دسمة كجائزة ترضية. بما معناه أنّ إخراج «حفظ ماء الوجه» وتبادل الحقائب مسألتان قابلتان لإجهاض الحلول.
لذلك بدا الفريق القريب من الحريري متحفّظاً في تفاؤله، وكذلك الفريق الشيعي، وهو ما عبّر عنه صراحة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في مقابلته امس الاول حين تحدّث عن وجود «جهود جدّية» ولكن من دون أن يَحسمَ في مسألة الولادة الحكومية.
ووفق الفريق «المشكِّك» بتحقيق الإنجاز الحكومي، فإنّ باسيل لديه حسابات تختلف الى حدٍّ ما مع حسابات عون. فرئيس الجمهورية الذي لم يعد يريد الانتظار أكثر، بعد أن تأكد من أنّ «حزب الله» لن يتراجع في موضوع تمثيل «اللقاء التشاوري» وأنّ الحريري صاحب الكلمة الأولى في عملية تأليف الحكومة لن يتراجع بدوره عن التبادل الوزاري مع عون ولن يقبل ابداً بتشكيلة الـ32 وزيراً، وجد أنّ الاستمرار في المراوحة الحاصلة سيؤدّي الى مزيد من الخسائر من رصيده ومن صورة عهده وسط الأزمة الاقتصادية الخانقة وتآكُل مؤسسات الدولة وازدياد النقمة لدى الناس.
وصحيح انّ عون ملتزمٌ بباسيل مرشَّحاً يؤمّن استمراريته في رئاسة الجمهورية، إلّا أنه بات أمام معادلة إنجاز ولادة حكومة تساعد في تأمين وصول باسيل الى قصر بعبدا، وتؤمّن إنجازاتٍ لعهده.
أمّا باسيل فهو ينظر الى الاستحقاق الحكومي بحسابات مختلفة وعلى اساس أن يؤدّي تأليف الحكومة وفق القواعد التي وضعها هو الى اختصار الدرب امامه للوصول الى رئاسة الجمهورية.
ووفق هذه الحسابات فإنّ «الثلث المعطل» يصبح إلزامياً، وإنّ التخلّي عنه لا يصحّ إلّا في حال الحصول على وعدٍ بتبنّي ترشيحه.
وفيما شكّل غياب الزعماء والرؤساء العرب عن القمة الاقتصادية العربية مؤشراً سلبياً له في هذا الإطار، وكذلك إحجام «حزب الله» نهائياً عن إعطائه أيّ التزامات رئاسية مسبَقة، فإنّ باسيل قد يكون عاملاً الآن على ترتيب حساباته وفق طريقة جديدة.
ففي حال تأليف الحكومة فإنّ باسيل لن يطلب زيارة دمشق تجنّباً لإحراج الحريري وربما بتمنٍّ من الاخير. أما عدم ولادة الحكومة فسيُبقي البابَ مفتوحاً امام حصول هذه الزيارة. في المرة السابقة أراد باسيل هذه الزيارة ولكن بعيداً من الاعلام الامر الذي رفضته دمشق.
أما الآن فيُمكن باسيل التحضير جيداً لزيارته الدمشقية متذرِّعاً بالحصار الذي فُرض على القمة العربية وعلى أساس انتزاع نقاط ثمينة في معركته الرئاسية من الرئيس السوري مباشرة.
ويُدرك باسيل انّ عون سيحتضنه في نهاية المطاف حتى ولو تمايز في حساباته السياسية عنه، وهذا ما فعله بعد إجهاض تسوية جواد عدرا.
وانطلاقاً من هذه الحسابات يُبدي عدد من الأفرقاء توجّسَهم من الوصول الى نهاية حكومية سعيدة نهاية هذا الأسبوع، ولو أنهم يعلمون أنّ عون بات واقعاً تحت وطأة غياب الزعماء العرب عن قمة بيروت.
أضف الى ذلك توجُّه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى تأجيل زيارته لبيروت للمرة الثالثة والتي كانت مقرّرة في النصف الثاني من شباط المقبل، وهذا ما لم يحصل ابداً في تاريخ العلاقات اللبنانية ـ الفرنسية، وهي علاقات تعني كثيراً للمسيحيين في لبنان، وحتى بالنسبة الى عون نفسه الذي لم يجد سنداً دولياً له خلال «حرب التحرير» عام 1989 سوى فرنسا.
والى ذلك فإنّ الإشارات الاميركية الى عون ليست ودودة، وهو ما عبّر عنه الموفدُ الاميركي ديفيد هيل الذي تقصّد الإدلاءَ بموقفه الرسمي الوحيد من «بيت الوسط» بعد اجتماعه بالحريري وليس من القصر الجمهوري وفق ما تفترض الاصول السياسية اللبنانية.