هل ينجح الأميركيون في وارسو خلال الأيام المقبلة، بإقامة حلف عربي ضد إيران؟ سؤال تردد صداه في العواصم الدولية، لكن الاهتمام الأبرز به، كان إسرائيلياً، من دون ترقّب تل أبيب نتائج على هذا الصعيد، انطلاقا من التعقيدات التي تواجه الحلف المذكور، والحسابات العربية المشتتة، والمصالح، والنفوذ، والسباق الجاري في الشرق الأوسط.
لا يرى العارفون بخبايا العلاقات الدولية إمكانية للجمع العربي. يستعيدون ما حصل في الأشهر الماضية أميركيا، بعد استقالة قيادات في البيت الأبيض، ومنهم الجنرال انطوني زيني، الذي فشل في مهمة كلّفته بها ادارته، لحل الازمة الخليجية العربية الناشئة عن خلاف المملكة العربية السعودية ودولة قطر، من أجل تحقيق هدف أساسي هو مشروع الحلف العربي الذي سمّوه "الناتو العربي".
لا توحي كل المعطيات ان الخلاف الخليجي قابل للحل، لا بل يزداد التشظي بين محورين. فتنخرط الدوحة بحلف متين مع تركيا، التي تعتبرها السعودية الخطر الحقيقي على نفوذها الاقليمي. واذا كانت المملكة والامارات والبحرين ومصر نفذوا حصارا جماعيا على قطر منذ عام 2017، فإن محاولات عدة جرت لرأب الصدع، فسقطت نتيجة تصلب المحورين بمواقف سياسية استراتيجية. رفضت قطر ان تكون ملحقة سياسياً بالمملكة السعودية، ولم تقبل الرياض ان تشذ الدوحة عن الجمع الخليجي. عند تلك العناوين جرى طحن محاولات الصلح.
لذلك، لا حلف سيجمع الخليجيين، ولا العرب، في وارسو ضد ايران، استنادا الى معادلة بسيطة: سلطنة عمان تعارض، قطر في حلف آخر، الكويت لا ترغب بأن يتحول دورها من دولة الوفاق الى مساحة الفراق، وهكذا...
تلك الوقائع هي التي دفعت الجنرال زيني للإستقالة، وهو كان يدرك معاني الخلاف بين العرب، بأنه يبقى قائما الى أبد الآبدين. فقد سبق أن تسلّم الجنرال المستقيل الاشراف على العملية السلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش.
استسلم زيني امام الواقعية، لكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يحاول ان يحيي الحلف، مستندا الى ما بناه الجنرال المستقيل. حتى الآن، لا يوجد أي مؤشرات سوى ان الدول ذاتها التي تتحالف فيما بينها، وتنظر بعين القلق الى دور ايران، هي التي يحاول الأميركيون تنظيم ادوارها في وارسو. علما ان تلك الدول العربية، تعطي الاولوية للخطر التركي عليها.
فالقاهرة تعتبر ان انقره تدعم "الاخوان المسلمين" الذين ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. والامارات ترى ان خطر تركيا اكبر من اي دور ايراني في المنطقة، لوجود تواصل بين ابوظبي وطهران وعلاقات تجارية واقتصادية كاملة. اما السعودية، فهي تنظر بعين القلق الى الدور التركي المتصاعد، و خصوصا في الشمال السوري. بالنسبة الى الرياض، فإن محاربة ايران اسهل، بسبب استخدام العامل المذهبي ضد النظام الإيراني، لكن لا يمكن استعمال العامل الطائفي ضد انقره.
من هنا يبدو ان مسار ومصير مؤتمر وارسو غير واضح بسبب تجربة كل انواع الحصار: العقوبات الاقتصادية قائمة على طهران. والتحريض السياسي موجود. فهل يسعى الأميركيون الى رص الصفوف للقيام بحرب عسكرية مباشرة ضد الايرانيين؟.
لا قدرة لتلك الدول على شن حرب مشابهة، بسبب عدم امكانية استيعاب الرد الايراني. لكن في تل ابيب يتزايد حديث الصحافة العبرية عن مكاسب في وارسو تبدأ بمصافحة العرب والإسرائيليين علناً، وعلى الهواء مباشرة. من شأن ذاك المشهد وحده، دفع الخطوات في عملية التطبيع بين الاسرائيليين والعرب الى الأمام، تحت عنوان: مواجهة الخطر الإيراني. سيسعى الاسرائيليون الى تسويق فكرة ان تل ابيب وحدها كفيلة ان تضمن امن الخليج، بعد انسحاب الأميركيين المتدرّج من الاقليم.