تتكرر في لبنان ظاهرة تضعضع المباني السكنية، وآخرها ما يحصل على العقار رقم 1237 في منطقة تلة مار الياس في حارة صيدا. ففي هذا العقار يهدد مبنيين خطر الإنهيار نتيجة تشقّق الأساسات ما أثار حالة من الهلع عند السكان. هذان المبنيان لا يعانيان من كمية الخطر نفسه. فالأول، يحتاج لبعض عمليات الترميم أما الثاني فحالته خطرة جداً ما يستدعي إخلاءه مباشرة. أقدم بعض السكان على مغادرة المبنيين اللذين يضمان 40 شقة ويسكنهما قرابة المئة شخص، فيما بقي جزء آخر في منازلهم لعدم قدرتهم على استئجار منزل جديد.
وفي تفاصيل هذه الحادثة، ووفق تقرير الكشف الفني للمبنى الأول، والذي حصلت "النشرة" على نسخة منه، فإن مبنى صالح وواكيم يشهد هبوطاً نسبياً في أرضيات الطابق السفلي والتي كان سببها تفريغ التربة أسفلها وصدأ الحديد فيها وقلة سماكتها، مما سيؤدي إلى خطر على السلامة العامة للشقق في الطابق السفلي.
كما أن التقرير الفني كشف عن تصدعات في بلاط الرمبا المدخل الأساسي للمبنى والتصوينة الخارجية مما ادى إلى انزلاق التربة بسبب الحفريات في العقار المجاور وإلى تشققات في المبنى. أما بما يخص الهيكل الخرساني من أعمدة وأسقف لم تظهر حالياً. لذا أوصى التقرير الفني اتخاذ تدبيرين وهما تدعيم الأرضيات في الطابق السفلي وصبّ حائط دعم أو ردم جانب التصوينة ورصها. أما بما يخص المبنى الثاني والتي تعد حالته أخطر، فلم تجر عمليات الكشف له بعد.
في هذا السياق أوضح أحد السكان في حديثه مع "النشرة" أن "الوضع الإنساني سيء للغاية خصوصاً وان الكثيرين لا يملكون أي مكان آخر يذهبون إليه"، لافتاً إلى أن "عدداً من السكان يدفع قرض الإسكان عن الشقة التي ستنهار، في المقابل هو مضطر إلى الخروج من شقته ودفع ايجار منزله، فمن أين يأتون بالأموال"؟.
المبنيان المذكوران كانا قد بُنيا في العام 1997، وتم ترميمهما مرتين في العامين2003 و2013. وبناء على ما سبق، يقبع السكان بين أمرين: الأول قرار الخبير الفني بأن المبنى سليم ويتوجب القيام ببعض الترميمات، والثاني هو الحال الظاهرة بأم العين والتي تظهر التشققات الحاصلة.
من هنا، أوضح مسؤول الأشغال في بلدية حارة صيدا أحمد الجبيلي في حديث مع "النشرة" أن "الوضع سيئ جداً في المبنيين، والخبير الذي رممهما عام 2013 زارهما يوم أمس بعد طلب البلدية منه"، كاشفاً "أننا في البلدية أوقفنا منذ فترة طويلة البناء في هذه المنطقة لأن التربة غير صالحة والبناء فيها كان يتم بشكل عشوائي، وبعد العاصفة التي شهدها لبنان زاد الامر سوء التربة".
ولفت الجبيلي أن "المتعهد الذي بنى المبنيين منذ 22 سنة أعرب عن استعداده لتقديم ما يمكنه لحماية المواطنين"، مشيراً إلى أن "الحل الآن هو أن يتقاسم أعباء ما حصل السكان والمتعهد إذا لم يتحرّك المحافظ أو الهيئة العليا للإغاثة".
في سياق آخر، وعقب التقرير الاول الذي تم إعداده من قبل خبير فني أحضره السكان، أقدمت البلدية على اعداد تقرير ثانٍ عبر خبير جديد أحضرته الشركة التي التزمت الترميم في العام 2013. هذا التقرير وصل إلى خلاصة ان "نظام التحميل للمبنيين سليم وقادر على أداء الغرض المحدد له وبالتالي ليس من خطر مباشر لناحية انهيار المبنى ككل".
لذا لم يكن أمام المواطنين إلا اللجوء إلى المحافظ منصور ضو، لاطلاعه على الموضوع، واتخاذ قرار سريع ينص على تحرك الهيئة العليا للاغاثة ومساعدة المواطنين، لأنه في حال تم تحويل الموضوع إلى القضاء فسيطول الأمر.
إلا أن الإجتماع هذا، وفق مصادر "النشرة"، لم يأتِ كما أراده السكان. إذ ان ضو، وبناءً على التقرير الفني الثاني، اعتبر أن لا علاقة للمحافظة بما حصل وحوّله إلى مديرية التنظيم المدني التي أمرت بإخلاء المبنى فوراً. حينها عاد السكان إلى المحافظ للمطالبة بإيجاد مأوى لهم، فأجابهم المحافظ بأن "لا علاقة لنا بهذا الامر".
في المحصلة، جاء أوامر الإخلاء من التنظيم المدني، وبقي أكثر من 100 مواطن في الشارع من دون مأوى ومن دون تعويض عن أرزاقهم التي قد تسقط أمام أعينهم. لذا بات المواطن أمام خيارين: إما الموت تحت ردم منزله، أو الموت في الشارع. فمن يتحمل مسؤولية التعويض على المواطنين؟.