ماذا يحدث في فنزويلا؟ وكيف تطوّرت الأزمة؟ وما هي الإحتمالات المُستقبليّة؟ وهل يُمكن أن تقع حرب أهليّة؟ وماذا عن موقف اللبنانيّين هناك؟.
الصراع الذي تشهده فنزويلا حاليًا، والذي تحوّل إلى صراع سياسي بين "رئيسين" في وقت واحد، يحظى كل منهما بدعم جزء من الشعب، وبدعم إقليمي ودَولي أيضًا، ليس وليد ساعته، حيث أنّ جُذوره تعود إلى فترة حكم الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز(1)، لكنّه تصاعد أخيرًا بسبب إرتفاع التأييد الشعبي لقوى المُعارضة بسبب إستفحال الأزمات الإقتصاديّة والمعيشيّة والحياتيّة التي تعيشها فنزويلا.
ومن الضروري التذكير أنّه على مدى 14 عامًا، وتحديدًا من شباط 1999 حتى آذار 2013، حكم هوغو تشافيز فنزويلا بقبضة حديديّة، وفي 14 نيسان من العام 2013 جرى إنتخاب نائب الرئيس تشافيز، أي نيكولاس مادورو موروس رئيسًا لفنزويلا، علمًا أنّه كان شغل قبل ذلك منصب وزير خارجيّة بلاده بين العامين 2006 و2013. وقد طعن المُرشّح الرئيس للمُعارضة في حينه، إنريك كابرليس، بالنتيجة بحجّة حُصول أعمال تزوير واسعة، علمًأ أنّ الفارق بين المُرشّحين جاء محدودًا(2). وفي أيّار 2018 تكرّر "السيناريو" نفسه مع بعض التفاصيل المُختلفة، حيث أعلن "المجلس الوطني للإنتخابات في فنزويلا" فوز الرئيس مادورو بولاية رئاسيّة ثانيّة تمتدّ حتى العام 2025، لكنّ مُنافسه الرئيس هنري فالكون طعن في شرعيّة هذه الإنتخابات وطالب بإعادتها(3)، شأنه في ذلك شأن العديد من القيادات الفنزويليّة ومن دول العالم. والسبب أنّ نسبة الإقبال على التصويت تدنّت من 87,71 % في الدورة الإنتخابيّة الرئاسيّة السابقة، إلى 46,1 % فقط في الدورة الإنتخابيّة الأخيرة، بسبب مُقاطعة قوى المُعارضة لهذه الإنتخابات.
وفي الأشهر القليلة الماضية إشتدّت الأزمة الإقتصاديّة والحياتيّة والمعيشيّة والإجتماعيّة التي تُعاني منها فنزويلا منذ فترة طويلة، بحيث تصاعدت النقمة الشعبيّة وتحرّكت التظاهرات المُطالبة بحق العيش الكريم، في الوقت الذي كشفت تقارير إعلاميّة عن أنّ نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون فنزويلي هاجروا في السنوات القليلة الماضية إلى دول الجوار مثل كولومبيا والإكوادور والبيرو والبرازيل بحثًا عن فرص العمل. وقد دخلت المُعارضة الفنزويليّة على الخطّ مُستغلّة الأزمة الحادة، مُصوّبة سهامها على الرئيس مادورو وسياساته التي أدّت إلى إفقار الشعب وتفشّي البطالة على الرغم من أنّ فنزويلا تُعتبر من أهمّ الدول النفطيّة على مُستوى العالم. وفي 23 كانون الثاني الماضي، وعلى وقع التظاهرات المفتوحة في البلاد، أعلن رئيس "الجمعيّة الوطنيّة" (أي مجلس النوّاب) خوان غوايدو نفسه رئيسًا للبلاد بالوكالة، وذلك بعد نحو أسبوعين على تنصيب مادورو رسميًا كرئيس لفنزويلا، وذلك إلى حين تنظيم إنتخابات جديدة لا تُقاطعها المُعارضة لتصويب السُلطة السياسيّة في البلاد. وقد سارعت الولايات المتحدة الأميركيّة إلى الإعتراف به، قبل أن تتخذ أكثر من دولة أوروبيّة وغيرها مواقف مُشابهة خلال الأيام الماضية، بالتزامن مع تحرّك روسيا والصين وبعض الدول الأخرى لنجدة مادورو، في إطار الصراع الدَولي القائم حاليًا على أكثر من ملفّ مهمّ.
بالنسبة إلى ما يمكن أن يحصل مُستقبلاً، فإنّ واشنطن والعديد من العواصم الأوروبيّة والغربيّة وبعض عواصم أميركا الجنوبيّة تُمارس ضُغوطًا كبيرة حاليًا، لإرغام الرئيس الفنزويلي الذي إنتخب العام الماضي على الإقرار بعدم شرعيّة الإنتخابات، تمهيدًا لإجراء إنتخابات عامة جديدة بإشراف دولي، وهو مطلب تقبل به قوى المُعارضة ورئيس البرلمان غوايدو. لكن مادورو الذي نجح في نيل دعم دَولي لا بأس به، والذي يتمتّع بنُفوذ كبير في صُفوف الجيش، يرفض الإذعان لهذه الضُغوط، ومن غير المُرشّح أنّ يوافق على إعادة الإنتخابات. وبالتالي، إنّ عمليّات "شدّ الحبال" القائمة حاليًا مُرشّحة للإستمرار في المرحلة المُقبلة، حيث يدور كباش دَولي علني بين الولايات المتحدة الأميركيّة التي تريد طيّ صفحة مُعارضة فنزويلا لها ولسياساتها، عبر تغيير الحُكم هناك، وروسيا التي ترفض تسليم هذه الورقة لواشنطن بشكل مجّاني، وتسعى إلى إستغلالها كما كان يحصل في كل الملفّات الدَوليّة خلال القرن الماضي إبّان مرحلة الحرب الباردة. والتخوّف جدّي من أن تلجأ الإدارة الأميركيّة إلى أكثر من مُجرّد فرض عُقوبات إقتصاديّة على الرئيس مادورو، حيث أنّها تعمّدت تسريب معلومات عن خيار عسكري مُحتمل، الأمر الذي دفع الكرملين إلى تسريب معلومات مُشابهة عن تدخّل عسكري روسي مُحتمل لدعم مادورو!.
بالنسبة إلى اللبنانيّين أو الفنزويليّين من أصل لُبناني الموجودين في فنزويلا فإنّ عددهم يُقدّر بما لا يقلّ عن ثلاثمئة ألف نسمة، علمًا أنّ العديد من هؤلاء كان وصل إلى فنزويلا، كما غيرها من دول أميركا اللاتينيّة، في العقود القليلة التي تلت إنتهاء الحرب العالميّة الثانية. وإذا كان السفير اللبناني هناك إلياس سابا قد أكّد أنّ لا إصابات تُذكر بين اللبنانيّين في فنزويلا، وأنّ الأضرار التي لحقت ببعض المؤسّسات التجاريّة العائدة إلى لبنانيّين محدودة جدًا، فإنّ هذا الأمر لا يعني أنّ القلق لا يُساور اللبنانيّين هناك، في إنتظار معرفة المسار الذي ستسلكه الأزمة الحاليّة، على مُختلف الصُعد الأمنيّة والسياسيّة وخُصوصًا الإقتصاديّة والمعيشيّة. والمُفارقة اللافتة أنّ اللبنانيّين في فنزويلا مُنقسمون إزاء ما يحدث أيضًا-بحسب مصادر غير رسميّة، حيث يؤيّد بعضهم مادورو بينما يؤيّد بعضهم الآخر غوايدو، في حين تكتفي فئة ثالثة بطلب الإستقرار من دون الإنحياز إلى هذا أو ذاك!.
في الختام، لا شك أنّ شبح الحرب الأهليّة يُخيّم حاليًا على فنزويلا، حيث أنّ الإنقسام حاد وكبير، وإمتداداته الإقليميّة والدَوليّة عميقة، والأخطر أنّ الوضع المعيشي المُتدهور يُمكن أن يُستغلّ ليكون الشرارة الكفيلة بتفجير الوضع، ما لم تتوصّل الدول المُتصارعة هناك إلى تسوية تقضي بإعادة ترتيب السُلطة. وما يؤخّر إنطلاق المعارك الداخليّة في فنزويلا حاليًا، يعود بجزء أساسي منه إلى تأييد القسم الأكبر من الجيش الفنزويلي-حتى الساعة، الرئيس مادورو، وهو أمر يُمكن أن يتغيّر في حال عقد أي إتفاق دولي تحت الطاولة مع عدد من كبار المسؤولين العسكريّين.