لا داعي لانتظار 100 يوم للحكم على الحكومة الجديدة. أصلاً، فترة السماح هذه التي تُمنح للسلطة، أي سلطة، اول تسلّمها الحكم، استهلكت منها الحكومة الحالية اكثر من 240 يوماً! 240 يوماً من أصل 100. وسيُضاف إليها نحو شهر للبيان الوزاري ونيل الثقة. أكثر من 270 يوماً لإنجاز ما كان ينبغي إنجازه بأسبوعين على الأكثر، والبدء بالعمل فوراً. وقبل أن تمثل الحكومة أمام مجلس النواب، يمكن منذ اليوم القول بالفم الملآن: لا ثقة! لا سياسات نجهلها لنجرّبها قبل الحكم على التجربة. الثقة تُمنح لخطاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في عيد الاستقلال، يوم قال إن الاستقلال سيبقى منقوصاً طالما أن الاقتصاد غير منتج. لكن هذا الخطاب، يبقى خطاباً، طالما لم تحوّله الحكومة إلى برنامج عمل. والتجربة الأخيرة التي شهدتها البلاد قبل أيام، بعد إعلان وزير المال علي حسن خليل عن دراسة خطة لإعادة هيكلة الدين العام، لا توحي بأن البلاد مقبلة على برنامج عمل سيعيد ترتيب الأشياء في البلاد، وتحويل اقتصادنا من مساحة يُغرف منها المال العام من الفقراء ليوضع في جيوب الأغنياء. سريعاً، تراجع علي حسن خليل ليتلو فعل الندامة، على طريقة استتابة رلى الطبش في دار الفتوى، بدلاً من السعي الجدّي إلى التكفير، ولو جزئياً، عن الخطيئة الأصلية التي ارتُكِبت بحق البلاد في النصف الثاني من التسعينات. لا شيء يؤشر على أن البلاد مقبلة على عكس الآية: إعادة توزيع الثروة من «فوق إلى تحت»، خلافاً لما يجري حالياً. وزير الاقتصاد السابق، رائد خوري، لم يقل موقفاً اكثر حزماً من إعلانه أن البلاد ملتزمة دفع ديونها «إلى الأبد». هكذا. ببساطة، يريد لنا ابن المصرف أن نبقى عبيداً لأصحاب الأموال، وأن نبقى، نحن وأبناؤنا وأحفاد أحفادنا، ندفع الديون... «إلى الأبد»، فلا نؤدي أي عمل منتج سوى ما يسمح بدفع الديون. ذهب رائد خوري، وورث حقيبته منصور بطيش. صحيح أن للأخير كتاباً عن إصلاح النظام الضريبي، لكن موازين القوى قد لا تسمح بإنجاز أمر مماثل، رغم كونه أحد مفاتيح الإصلاح الحقيقي في نظامنا المعتل. سيكون له وزير الاتصالات محمد شقير بالمرصاد، وهو الذي «رسم» قبل الانتخابات النيابية فرماناً لرئيس الحكومة: خفض الضرائب. والعبارة هذه غشّاشة. فليس المقصود بها خفض الضريبة على الاستهلاك وغيرها مما يصيب ذوي الدخل المحدود، بل خفض الضرائب على شركاته وشركات أصدقائه من ذوي الثروات. هذه الثروات التي تتراكم نتيجة العلاقة العليلة بين الدولة ورأس المال. لا ثقة، رغم ان بعض الوزراء قد يسجّلون لانفسهم ولاحزابهم انجازات في ملفات محددة. لكن البلاد تحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير. هي تحتاج ثورة لا إصلاحاً. تحتاج إلى إعادة توزيع عادل للثورة لا إلى مجرد مكافحة للفساد، على أهميته. تحتاج إصلاحاً في القضاء لا تسابق النواب والوزراء على تقديم إخبارات بلا معنى ولا طائل. البلاد تحتاج إلى خيارات جذرية لا حياة لها في بلاد التوافق. لأجل ذلك، لا ثقة.