أكد بطريرك الروم الارثوذكس يوحنا العاشر في قداس الهي أقيم في الذكرى العاشرة لارتقاء البطريرك كيريل السدة البطريركية في موسكو أنه "يشهد تاريخ كنيستكم في زمن الإلحاد، أن الشرير، في حربه على الكنيسة، قد استخدم كل الوسائل الممكنة، وقد عمل في بعض الأحيان من خلال أبناء الكنيسة ورعاتها لإضعافها من الداخل، من خلال إثارة الاضطرابات والانشقاقات فيها. ولكن التاريخ ذاته يعلمنا، أن الاضطهاد بمختلف أشكاله لا يمكن أن ينال من الكنيسة، إن أخلصت لمعلمها، ولتقليدها، وللحقيقة الروحية التي تحملها. وهذا ما اختبرتموه أنتم بالذات يا صاحب الغبطة وشعبكم الروسي العظيم، ولذلك وفي وسط العاصفة التي نعيشها، حيث تواجه المسيحية عموما والأرثوذكسية خصوصا هجوما متزايدا من قبل المجتمع الاستهلاكي وأصنامه الجديدة التي تدعي أنها قادرة، باسم الحرية المجردة من المسؤولية، أن تجلب السعادة والرفاه لإنسان اليوم. وفي ظل تهافت كبار هذا العالم، على توظيف الكنيسة في سياساتهم ومصالحهم، والسعي إلى إضعاف شهادتها في العالم، وتفتيتها إلى كنائس قومية، نحن مطالبون أكثر من أي يوم مضى بتفعيل تعاوننا الأخوي، وتعزيز الروابط بين الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة، والشعوب التي ترعاها".
ولفت يوحنا العاشر الى أنه "لقد سارت الكنائس الارثوذكسية، التي عانت كلها من أهوال الاضطهاد في القرن الماضي، على طريق الشهادة المشتركة للمسيح ولجمال الأرثوذكسية، منذ أن دعا قداسة البطريرك المسكوني أثيناغوراس إلى مؤتمر رودوس في العام 1961. ولقد رعت علاقاتنا منذ ذلك التاريخ، قاعدةٌ أطلق عليها قداسته وعددٌ من معاونيه اسم "الإجماع المقدس"، لأنه عرف أن هذا الاجماع، وإن تتطلب جهدا جبارا من أجل بناء التوافق، فهو ينقذ من التفرد ومن طغيان الكبير على الصغير، أو القوي على الضعيف، في كنيستنا الواحدة. وبأنه يحفظ الكنيسة الارثوذكسية من التشرذم الذي عرفته في العقود الأولى من القرن الماضي نتيجة ضغوط سياسية أو قرارات أحادية أو فئوية، كانت تتخذها هذه الكنيسة أو تلك، أو هذه المجموعة أو تلك، غير آبهة بتداعياتها على الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة".
ولفت الى "أننا نكرر اليوم، المواقف التي ينادي بها مجمعنا الأنطاكي المقدس منذ سنوات، والتي تدعو إلى مقاربة كل شؤونا بالاستناد إلى هذا المبدأ المقدس، لعلنا نستطيع بذلك إبعاد السياسة، والعرقية، والشعبوية، وتأثير السلطة والمصلحة والمال عن الكنيسة الأرثوذكسية، والانصراف الى تفعيل شهادتنا الواحدة للمسيح القائم من بين الأموات والغالب لكل تراخ أو موت في عالمنا اليوم".
وأشار الى أنه "فيما نحن في فرح هذه المناسبة لا أريد أن أعبر عما في قلوبنا من ألم عميق وحسرة كبيرة لما يجري في كنيستنا الأرثوذكسية هذه الأيام ولما يصيبها نتيجة التفرد وانعدام الحوار والمجمعية ولما حصل مؤخرا في أوكرانيا. ولكني أجد نفسي مضطرا أن أشدد على أنه قد آن الوقت لكي نرفع الصوت عاليا. فإن الصمت أمام الانحرافات مقيتٌ إذا لم يتحول إلى ابتهال وصلاة. أناشد جميع الإخوة، أصحاب القداسة والغبطة، رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المستقلة أن نجتمع ونتلاقى ونعلن بذلك للملأ تمسكَنا بوحدة كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة ويقيننا أن نورها من نور المسيح وما زال براقا وبهيا".
وأكد أنه "باسم جميع أبناء كنيستنا الأنطاكية، وبخاصة في سوريا ولبنان والعراق والخليج العربي وفي كل بلدان الانتشار الأنطاكي، أبناء هذه الكنيسة، الذين يعانون أهوال الحروب، والخطف، والضائقة الاقتصادية، والتهجير، والتشرد. وبصلوات مطراني حلب يوحنا (ابراهيم) وبولس (يازجي) المغيبين منذ أكثر من خمس سنوات، نصلي أن يمنحكم الرب الإله وكنيستكم وأبناءكم الحكمة والقوة والثبات في هذه الأيام العصيبة. وإننا نشكر كنيستكم المقدسة وفخامة الرئيس بوتين والدولة الروسية على كل ما قدمته وتقدمه من أجل كنيسة أنطاكية وأبنائها. أكرر تمنياتي، باسمي وباسم إخوتي الحاضرين من مختلف الكنائس الارثوذكسية، بأن يحفظكم الرب الإله بحبه وبحنانه، وبشفاعات والدته الطاهرة والقديسين الذين لمعوا في الكنيستين الأنطاكية والروسية، إلى سنين عديدة، "معافى ومفصلا باستقامة كلمة حقه".