اتفق الجميع على وصف الزيارة التي يقوم بها قداسة البابا فرنسيس الى دولة الامارات العربية المتحدة بأنها "تاريخية"، وهي بالفعل كذلك كونها الاولى لبابا فاتيكاني الى الخليج العربي. صحيح ان البابا الحالي وغيره ممن سبقوه قاموا بزيارات الى دول اسلامية منها مصر والاردن... لكن الزيارة الى الامارات كونها دولة خليجية، في هذا الوقت بالذات لها طابعها الخاص.
ولكن قبل التطرق الى الزيارة، لا بد من التوقف اولاً عند بعض ما يدور في الاروقة اللبنانية من "عتب" على البابا لعدم زيارته لبنان، وتفضيله الامارات، خصوصاً وانه ذهب الى هناك للمشاركة في لقاء "الاخوة "الانساني". ويرى "العاتبون" انه كان يمكن للبابا ان يزور لبنان لدعمه على اكثر من صعيد، خصوصاً انه البلد الذي يجسّد العيش المشترك والرسالة لشعوب العالم من خلال ضمانه تسلم الطوائف المسيحيّة والاسلاميّة المناصب الاعلى في الدولة، على عكس باقي الدول، كما انه يسعى ليكون مركزاً دولياً لحوار الحضارات والاديان، ناهيك عن استضافته ملايين النازحين واللاجئين على ارضه رغم صغر مساحته الجغرافية.
هذا "العتب" لن يغيّر في الامور شيئاً، لانه من وجهة نظر شاملة، فإن اكثر من بابا زار لبنان وبالاخص في السنوات الماضية حيث زاره بابوان متتاليان (القديس يوحنا بولس الثاني وخلفه بنديكتوس السادس عشر)، كما انه محطّة شبه دائمة في افكار واقوال وصلوات البابوات، وعليه فإنه حاضر دائماً في الفاتيكان بزيارة للبابا الحالي او من دونها. ولكن الزيارة الى دولة خليجية تكتسب معنى اشمل ورسالة اكبر، وهي تجسّد الانفتاح المسيحي-الاسلامي في وقت احوج ما نكون فيه الى ذلك للوقوف سداً منيعاً في وجه الصورة التي انطبعت في ذهن العديد من الغربيين عن الاسلام بفعل تصرفات "داعش" واخواتها في الارهاب، وهي بمثابة جسر جديد يبنى بين الديانتين في اكثر من مكان في العالم. صحيح ان اللقاء مع شيخ الازهر احمد الطيبي ليس الاول، ولكنه في ظل المناسبة المعلن عنها، وكونه على ارض خليجيّة، ستكون المسألة اهم بكثير.
وفي حين تستضيف الامارات مليون مسيحي على اراضيها غالبيتهم من الجنسيّات الاسيويّة التي تهافت حاملوها للعمل فيها، الا انه يبقى من الغامض سبب اختيار البابا لها دون غيرها من دول الخليج وعلى سبيل المثال، لا الحصر، الكويت او قطر حيث يتواجد مسيحيون بنسب مقبولة ويمارسون شعائرهم الدينية في كنائسهم بشكل تام. وقد يكون استبعاد قطر بسبب ازمتها مع دول الخليج الاخرى، اما الكويت فهي كانت دائماً اقرب الى الحياد في المشاكل التي تشهدها المنطقة. وعليه، قد تحمل زيارة البابا الى الامارات اكثر من طابع وقد لا تقتصر فقط على الشقّ الديني، بل رسالة سياسيّة بضرورة ايجاد حلّ للحرب في اليمن بشكل سريع (وهو موضوع تطرق اليه البابا قبيل سفره الى الامارات)، كما ان البعض يرى فيها تمهيداً لزيارة (قد يقوم بها البابا فرنسيس او خلفه) الى السعوديّة، بفعل العلاقات الوطيدة التي تحكم هذين البلدين ووسط موجة الانفتاح التي يروّج لها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وفي كل زيارة لبابا الى الشرق، تكون "وصيّة" بقاء المسيحيين في مكانهم واراضيهم، هي الاساس، وتأـتي الزيارة لتشكل حافزاً لهم للبقاء وعدم الهجرة، مخافة تفريغ الشرق من المسيحيين وهو هاجس أقلق الفاتيكان منذ سنوات بفعل الممارسات الوحشيّة التي تعرّض لها المسيحيّون اخيراً، ودفعت بالكثيرين منهم الى الهجرة وعدم العودة.
يسير البابا فرنسيس على خطى القديس يوحنا بولس الثاني في الانفتاح على الجميع، فهل سنشهد قريباً نجاح أحد أهدافه المتمثّلة بعودة المسيحيين الى الشرق بعد ان غادروه طلباً للحماية والامان؟ وهل ستكون الدول العربيّة اكثر انفتاحاً على الحوار، لتسقط بذلك كل اسباب وركائز خطر قيام "داعش" جديد في السنوات القريبة؟.