في عامه الثالث عشر، يتجاوز التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر كل الإشكاليات التي طرحت، دورياً، حول مدة بقائه وخطر سقوطه وانتفاء الحاجة إليه.
بات واضحاً لمن يريد أن يرى بعين الحقيقة والواقع، أن هذا التفاهم أصبح ركناً أساسياً في استقرار الوضع السياسي الداخلي، ودفعه إلى آفاق جديدة تتجاوز حالة المراوحة الطائفية والحزبية. وهو أعطى زخماً واضحاً لمسار اختراقي، بعد الكثير من المطبّات الداخلية والخارجية، قائم في قوته الأساسية على توفير الحماية الفاعلة في وجه التهديدات الخارجية، الصهيونية والتكفيرية، ومحاصرة التدخلات الأجنبية. وقد أوصل في ما أوصل إليه، إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، بناءً على رغبة معظم اللبنانيين، لا رغبة الدول الكبرى (خصوصاً الولايات المتحدة)، المعتادة أن تكون لها الكلمة الفصل في هذا الشأن وغيره.
هذا الواقع الذي أصبح مستتباً في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية يعني أن التفاهم لم يصمد فقط، بل أحرز نجاحات غير مسبوقة صبّت في الخير العام للمجتمع اللبناني، ونقلت ثماره من طرفين سياسيين إلى الوطن برمّته. هذا الأمر من نقاط القوة التي يتمتع بها التفاهم، ويفاخر بها القائمون عليه. إلا أن كل ذلك هو خطوات في مسار متكامل طرحته بنود التفاهم في قضايا مختلفة، والأرضية اليوم أصبحت صلبة كفاية ومهيئة للانتقال إلى البند التالي، المطروح اليوم بما يشكل تحدياً وحافزاً في آن واحد، وهو بند بناء الدولة، بعد أن توافرت الظروف الموضوعية للانتقال إليه، وأصبح حاجة ماسّة أمام مخاطر انهيار الدولة وسقوط هيبتها بعدما بلغ الفساد ذروة الذروة.
البند الرابع من التفاهم هو بناء الدولة التي يريدها «عصرية تحظى بثقة مواطنيها وقادرة على مواكبة احتياجاتهم وتطلعاتهم وعلى توفير الشعور بالأمن والأمان على حاضرهم ومستقبلهم، يتطلب النهوض بها على مداميك راسخة وقوية لا تجعلها عرضة للاهتزاز وللأزمات الدورية كلما أحاطت بها ظروف صعبة أو متغيرات مفصلية». هذا النصّ المكثف والمحيط بتطلعات اللبنانيين إلى بناء دولة عصرية عادلة. هدف يعتقد البعض أن الوصول إليه يداني المستحيل في ظل انتظام المحاصصة والمصالح، والتفاعل الكبير للتوحش الرأسمالي، وعمله ليل نهار على الانقضاض على ما بقي من منجزات للشعب اللبناني في كفاحه الطويل والمرير، وتحويل كل واردات الدولة من مكامن قوتها المالية - من الهاتف والطاقة والمياه وكل المفاصل التي تزود الخزينة بالإيرادات - إلى الخصخصة. وكل ذلك بحجة أن الإدارات العامة لا تحسن تيسير هذه المرافق. في حين أن الحقيقة قائمة في مكان آخر، في فسادهم وتجييرهم خيرات المرافق العامة والإدارات وانتهاك القانون والعبث بالأمن الغذائي والمالي والبيئي، وتعريض حياة المواطن للخطر، والمالية العامة للانهيار، وتحويل كل تلك المرافق إلى شركات خاصة أقاموها سراً وعلانية من أجل السيطرة والانتفاع على حساب الشعب اللبناني، وتحميله كل الأعباء من ديون وغيرها، وتحويل الدولة إلى خادم ضرائبي، والمواطنين إلى زبائن، وإسقاط دور الدولة الراعية والخادمة للمجتمع، وليس لطغمه من حيتان المال المرتبطة بأدوات المال الأميركية وغيرها.
إننا إذ نطرح هذا المسار، وبشكل مختصر، نريد أن نقول إن شكل بناء الدولة الذي نطمح إليه هو في مضامين عادلة، وفي دولة مطمئنة تحافظ على المجتمع، وتسعى إلى توسيع قاعدة منافعها المباشرة وغير المباشرة. وعندما نستطيع أن نخطو نحو هذا البناء، تصبح الأدوات المختلفة من محاربة الفساد ونزاهة المؤسسات وكل النقاط التفصيلية في مشروع يملك قوة الثبات في التنفيذ.
الأساس في هذه المرحلة مقاومة القضاء على بناء دور الدولة الاجتماعية الراعية، ومنعهم من التسلل في بنود المقررات المتعلقة بالمؤامرات التي تعطي قروضاً جزء منها مسموم في تفاصيله.
نريد أن نبدأ بهذا البند، متضمناً بناء دولة الشعب اللبناني للرفاه وليس دولة المال الجشع، والفساد المحتمي بالوجوه المتحجرة والقلوب التي لا تعرف الإنسانية، والأيدي الملطخة بسرقات أقوات اللبنانيين ومستقبلهم، والتي يحاضر أصحابها في عفة المصلحة العامة وهم منها براء.
* قيادي في حزب الله.