قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطاب حالة الاتحاد أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ الأميركيين وبحضور أعضاء الإدارة الأميركية «أنّ أحد أعقد التحديات التي نواجهها هي في الشرق الأوسط، فعندما تسلّمت منصبي كان تنظيم داعش الإرهابي يسيطر على أكثر من 20 ألف ميل مربع في سورية والعراق ولكننا الآن قضينا على داعش، واستمرّ في الوصول إلى تسوية سياسية في أفغانستان»، وأردف قائلاً: «إنّ الإدارة الأميركية تحت قيادتي عملت بحسم لمواجهة المموّل الأكبر في العالم للإرهاب وهو النظام الايراني، وانّ العمل مستمرّ لضمان عدم حصول إيران على أسلحة نووية».. وكان ترامب أعلن قبيل استقبال أسر الجنود الأميركيين الذين قتلوا في تفجير منبج في شمال سورية: «نحن نقتل الدواعش بالنيابة عن روسيا وإيران وسورية والعراق وغيرها من الدول.. نريد إرجاع جنودنا في سورية إلى ديارهم وهذا ما كنت اقوله منذ الحملة الانتخابية إلى يومنا هذا»…
من الواضح أنّ كلام ترامب يتضمّن العديد من المغالطات والكذب على الأميركيين لتبرير قرار انسحاب قواته من سورية بالقول إنه تمّ بعد القضاء على تنظيم داعش في سورية بهدف التغطية على حقيقة الهزيمة التي مُني بها المشروع الأميركي لإسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة المستقلة برئاسة الرئيس بشار الاسد.. لكن في الحقيقة أنّ القوات الأميركية لم تحارب داعش طوال وجودها في سورية أو العراق، بل كانت تعيق عمليات الجيش السوري وحلفائه ضدّ داعش، وهو ما تجسّد أخيراً في قيام الطائرات الأميركية بقصف مربض مدفعية للجيش السوري في البوكمال كان يستهدف عناصر داعش في شرق الفرات.. حيث تقوم القوات الأميركية بدعم قوات «قسد» لتطهير آخر منطقة يسيطر عليها داعش وتهريب قياداته وكوادره إلى قاعدة الجيش الأميركي في شمال العراق لاستخدامهم في ما بعد في مناطق أخرى… والادّعاء بعد ذلك أنه انتصر على داعش.. على أنّ ترامب يناقض الحقائق ونفسه عندما يدّعي أنّ جيشه هو الذي قضى على داعش في سورية والعراق، ويظهر ذلك من خلال الوقائع التالية:
أولاً: في 11 آب من عام 2016 أعلن ترامب خلال حملته الانتخابية أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما هو «مؤسس داعش في العراق وسورية»، وأضاف قائلاً «إنّ الشريكة في التأسيس هي المحتالة هيلاري كلينتون»… فكيف تكون إيران هي الداعم والمموّل للإرهاب؟! أليس في ذلك تأكيد على كذب الاتهامات التي يطلقها ترامب ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية في محاولة مكشوفة لتبرير الحرب الاقتصادية الإرهابية التي يشنّها ضدّها وبالتالي إبقاء القوات الأميركية في العراق لمراقبة إيران حسب قوله…
ثانياً: من المعروف أنّ سورية والعراق وبدعم من إيران والمقاومة في لبنان وروسيا هم من حرّروا معظم المناطق التي كان يسيطر عليها داعش في البلدين وانّ القوات الأميركية لم يكن لها أيّ إسهام فعلي في ذلك بل كانت تدّعي إعلامياً أنها تشنّ الغارات ضدّ داعش لكنها بالفعل كانت تعمل على تقديم الدعم لهذا التنظيم الإرهابي لتمكينه من مواصلة حرب الاستنزاف في سورية والعراق.. وهذا ما حصل عندما كانت القوات الأميركية تمكّن عناصر داعش من الانطلاق من قاعدة التنف لشنّ الهجمات ضدّ القوات السورية والحليفة في البادية السورية وفي صحراء السويداء أثناء تقدّمها في هذه المناطق واتجاه الحدود مع العراق.. فيما جو بايدن نائب الرئيس الأميركي في عهد أوباما ربط علناً مساعدة العراق في محاربة داعش بالاستجابة للشروط السياسية الأميركية التي تقضي بالموافقة على إصلاحات سياسية تسمح بعودة الشخصيات الموالية لأميركا إلى داخل مؤسسات الدولة والحكومة…
ثالثاً: إنّ واشنطن وقبل إعلان ترامب عن قرار سحب القوات الأميركية من سورية كانت ترهن سحب هذه القوات بخروج المستشارين الإيرانيين ومقاتلي حزب الله من سورية وتحقيق الحلّ السياسي وموافقة الحكومة السورية على إعطاء الشركات الأميركية حصة من الاستثمار في النفط والغاز السوري..
هذه الوقائع تثبت عدم صحة ادّعاء ترامب بأنّ واشنطن أسهمت في القضاء على داعش، بل على العكس فإنها وباعتراف ترامب هي من صنع وأسّس داعش، وقد جاء اعتراف ولي العهد السعودي مؤخراً لصحيفة «واشنطن بوست» بأنّ السعودية «نشرت الوهابية بطلب من حلفائها لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفياتي».. ليضيف برهاناً جديداً لا يرقى إليه الشك بأنّ السعودية أسّست تنظيم القاعدة بطلب أميركي لاستخدامه بداية لمحاربة القوات السوفياتية في أفغانستان في إطار خدمة الاستراتيجية الأميركية الغربية، ومن ثمّ استخدامه لبث الفوضى وشنّ الحروب الإرهابية في الدول العربية وفي المقدمة سورية وليبيا والعراق لتحقيق الأهداف الأميركية في إخضاع المنطقة وإعادة تعويم المشروع الأميركي المتراجع.. فكيف تكون واشنطن هي من يحارب داعش الذي هو فرع من القاعدة، واعترف ترامب بأنّ أوباما وكلينتون وراء صناعته.. الأكيد أنّ فشل داعش في تحقيق أهداف أميركا، نتيجة نجاح سورية والعراق وحلفائهم في القضاء على قوّته الأساسية وبالتالي اقتراب نهاية هذا التنظيم الإرهابي، هو الذي دفع ترامب إلى البحث عن سبيل للخروج من سورية يظهر فيه بأنه أسهم في تحقيق النصر على داعش، وبالتالي سحب القوات الأميركية خوفاً من تورّطها في حرب استنزاف تجبرها على الخروج من دون حفظ ماء الوجه أو الانزلاق الى حرب طويلة تتكبّد فيها خسائر جسيمة تفوق خسائر حرب العراق التي يعلن ترامب ليل نهار أنها السبب في الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بالولايات المتحدة، ولا يريد العودة إلى تكرار التورّط في حروب مماثلة…