ليس مستغربا أن يصل السجال بين وزير الدولة لشؤون النازحين السابق معين المرعبي والحزب "الديمقراطي اللبناني" الى ما وصل اليه مؤخّرا بعد قرار الأول عدم المشاركة في حفل تسليم الوزارة لخلفه صالح الغريب المحسوب على "الديمقراطي اللبناني". فانتقال الوزارة من دفّة الى أخرى كان وحده الكفيل بطرح ألف علامة استفهام حول خلفيّة القرار ومضمون التفاهمات التي توصّل اليها رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل مع رئيس الحكومة سعد الحريري في باريس بخصوص ملف النازحين.
ولا تزال حتى الساعة الخطوط العريضة لهذه التفاهمات غير واضحة تماما، وان كان قد بات محسوما اقتناع الحريري باسقاط مبدأ العودة الطوعيّة من كل البيانات الرسميّة مع التمسك بالعودة الآمنة حصرا، وهو ما حصل فعلا سواء في البيان الختامي للقمّة الاقتصاديّة العربيّة التي انعقدت في بيروت أو في البيان الوزاري الذي أقرّته الحكومة مؤخرا.
وأشار المرعبي في حديث لـ"النشرة" الى أنه اعتذر من الغريب لعدم قدرته واستعداده للمشاركة في حفل تسليم الوزارة، لافتًا الى وجود ظروف خاصة وعائلية تمنعه من ذلك، كما أسباب أخرى معروفة مرتبطة بتوجّهات الوزير الجديد في هذا الملفّ والتي عبّر عنها منذ تعيينه أكثر من مرة. وقال المرعبي: "الوزير الجديد يتّجه للتواصل مع نظام مجرم ارتكب ما ارتكبه من جرائم قتل وتهجير وتغيير ديموغرافي وبالتالي فهو لا يتّجه للتعامل بانسانيّة وموضوعيّة مع الملفّ".
وتحدّث المرعبي عن "محاولة جدّية لتسليم الأخوة السوريين لجلاّدهم، وهو ما بدا جليا سواء في مواقف وزير الخارجية جبران باسيل أو مؤخرا في نص البيان الوزاري"، معربا عن خشيته من أن "يتمّ ابعادهم الى أماكن سكن بعيدة عن مساكنهم الأصليّة تطبيقا لخطة التغيير الديموغرافي".
واذا كان المرعبي يتجنب التصعيد بوجه الحريري في هذا الملفّ وتحميله مسؤوليّة الموافقة على تسليم الوزارة لأحد المقربين من النظام السوري، أو التعليق على ما يحكى عن تفاهم بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل" حول الموضوع، الا أنّ مصادر "المستقبل" تتحدّث عن "مبالغة في الحديث عن تفاهم واتّفاق لا بل تماهٍ مع سياسة الوزير باسيل في هذا الملف"، لافتة الى ان وجهات نظر الفريقين لا تزال مختلفة تماما لا بل متناقضة، والسقف الوحيد الذي يجمعنا هو سقف المبادرة الروسيّة التي تقول بالعودة الطوعيّة والآمنة في آن".
ولم يعد خافيا على أحد أن الغريب يتجه لإحداث ما يشبه "الانقلاب" على سياسة المرعبي في هذه الوزارة، وإن كان ليس بصدد الإقدام، وفق مصادر مطلعة، على "خطوات استفزازيّة غير محسوبة". فزيارته الى سوريا باتت محسومة، لكنه سيسعى قبل ذلك لتأمين غطاء حكومي لها بعد الانتهاء من وضع خطّة محدّدة يتحرك على اساسها. وتبدو مصادر "التيار الوطني الحر" مطمئنّة تماما الى إمكانيّة التوصّل الى "خروقات كبيرة" في هذا المجال قريبا، وان كانت تعتبر أن اصرار "المستقبل" و"التقدمي الاشتراكي" كما "القوات" على التمسّك بالمبادرة الروسيّة ليس في مكانه تماما، باعتبارها وبإقرار من جهات دولية "مبادرة غير جدّية".
وبانتظار تبلور الخطوط العريضة لتفاهم "المستقبل"–"التيار الوطني الحر" بموضوع النازحين، لا سيّما ان ما رشح حتى الساعة يوحي بأنّه ليس الا شكليا وبالتالي لا يلحظ الآليات والمضمون، يبدو محسوما ان ما كان عليه هذا الملف قبل العام 2019 لن يكون كما بعده، في ظل المعلومات المتداولة عن اجراءات جديدة تتخذها الدوائر الرسميّة المعنيّة والّتي توحي بالتوجّه لاعتماد سياسة صارمة تخفّض أعداد النازحين بنسب كبيرة خلال أشهر معدودة.