فجأة وبسحر ساحر لن تعرف هويّته إلا لاحقاً، تحوّل الهجوم السيّاسي الذي شنّه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد حنبلاط على رئيس الحكومة سعد الحريري الى خطاب هادئ يختار فيه الإشتراكيون كلماتهم لطيّ صفحة التوتّر التي أحدثها كلام الزعيم الدرزي على صعيد العلاقة ين الفريقين. فجأة وبسحر الساحر نفسه، تحوّلت جولة وفد اللقاء الديمقراطي على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي مجلس النواب نبيه برّي والحكومة سعد الحريري، والتي طلبها جنبلاط في مؤتمره الصحافي الشهير، من جولة لمساءلة عون وبري والحريري عن عدم توزيع إتفاق الطائف على المشاركين في الجلسة لأولى لمجلس الوزراء، الى جولة مديح تولاّها الوزيران وائل أبو فاعور وأكرم شهيب. ففي بعبدا تولى أبو فاعور مهمة المديح بالعلاقة الجّيدة بين الحزب الإشتراكي ورئيس الجمهورية، وفي بيت الوسط إنتقل الدور الى شهيّب للإعلان بأنّ العلاقة التاريخيّة مع الحريري والتي مرّت عليها غيمة صيف، عادت الى ما كانت عليه. والأغرب في الزيارتين، هو التعجّب الذي صبغ أجوبة شهيب وأبو فاعور على أسئلة الصحافيين عن هجوم جنبلاط على الحريري وكأنه لم يكن. فما الذي حصل بين كليمنصو وبيت الوسط للملمة الخلاف من الإعلام؟ ومن هو فاعل الخير الذي تدخل لتحويل العتب الإشتراكي الى تهدئة ومديح بالعلاقة مع الحريري؟ وهل العامل الذي دخل على الخط للتهدئة هو عامل داخلي لتسهيل إنطلاقة الحكومة أم خارجي؟.
من زار كليمنصو وبيت الوسط في الأيام القليلة الماضية، لم يسمع كلاماً مباشراً من جنبلاط والحريري عن هذه التهدئة، أما المطّلعون على كواليس علاقة الرجلين، فيتحدثون عن ضابط إيقاع سعودي دخل على الخط بين الحزب الإشتراكي وتيار المستقبل، لوقف السجال الذي فتحه جنبلاط مع الحريري. وفي المعلومات، فبين الخطاب الناري لجنبلاط ضد الحريري وبدء وفد اللقاء الديمقراطي بجولته التي بقي منها فقط موعد عين التينة، زار أبو فاعور المملكة العربية السعودية وحُكي أنه التقى المستشار نزار العلولا ومدير الإستخبارات، وعندما حاول أبو فاعور خلال الزيارة شرح الأسباب التي دفعت جنبلاط الى مهاجمة الحريري على خلفيّة التفريط بإتّفاق الطائف، كان الجواب حاسماً، "أوقفوا هذا السجال ولا تتركوا سعد الحريري في هذه المرحلة الدقيقة، وساعدوه كي تأتي إنطلاقة الحكومة ناجحةً لأنّ تركه في هذا الوقت الحسّاس قد يرميه أكثر فأكثر في حضن المحور الآخر، أيّ في حضن رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجيّة جبران باسيل المتحالف مع حزب الله".
هذا التدخّل السعودي جاء قبل بدء وفد اللقاء الديمقراطي جولته على بعبدا وبيت الوسط وعين التينة، لذلك جاءت الزيارة شكليّة إعلاميّة بحتة وقد تمّ الإتفاق مع الحريري بعيداً عن الإعلام على التهدئة قبل بدء الجولة، وللتأكد أكثر من حقيقة ما جرى علينا إنتظار جولة جديدة من تسريبات الوثائق السريّة كتلك التي كشف عنها سابقاً موقع ويكيليكس.