ليست صدفة أن يقرر وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف زيارة لبنان قبل أيام من انعقاد مؤتمر وارسو الذي يهدف لمواجهة تمدّد ايران في منطقة الشرق الأوسط. فالمؤتمر الذي رفض لبنان المشاركة فيه في ظلّ تفهّم أميركي ودولي لدقّة الوضع الداخلي وهشاشة المعادلات القائمة حاليا، تحاول طهران الردّ عليه ومحاولة تطويقه والحدّ من تأثيراته بشتّى الوسائل. ولا شك أن الساحة اللبنانيّة، هي بالنسبة لايران حاليا إحدى الساحات المناسبة لتوجيه الرسائل، خاصة وان حلفاءها في بيروت كسبوا مؤخرا أكثر من جولة سياسيّة انطلاقا من الانتخابات الرئاسيّة في العام 2016، ومن ثم عبر قانون الانتخاب كما الانتخابات النيابية، وصولا الى التشكيلة الحكومية التي تم اعتمادها والتي تُظهر بوضوح غلبة القوى المقرّبة من طهران.
وبحسب مصادر في قوى 8 آذار مقرّبة من حزب الله، فانّ هناك 3 أهداف رئيسيّة لزيارة ظريف في هذا التوقيت بالذات الى لبنان. الهدف الأول "سياسي محض ويُختصر بالتعبير عن الرضى والدعم الايراني لما آلت اليه الأوضاع السياسيّة في لبنان، لا سيّما وان الحكومة الجديدة تُعتبر أولى الحكومات التي تعتقد طهران أنّ 18 وزيرا فيها بالحدّ الأدنى لن يصوّتوا في أيّ ظرف من الظروف ضدّ مصلحتها، وهو ما تعتبره فسحة ضوء اقليميّة مهمة ونقطة تحول استراتيجي". أما الهدف الثاني للزيارة فالاعراب عن شكر وتقدير ايران للموقف اللبناني الرسمي الذي لم يستجب للدعوة للمشاركة في مؤتمر وارسو.
وتشير المصادر الى انه بات لزيارة ظريف هدفا ثالثا بعد الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، للتأكيد بأن كل ما أدلى به لم ينطلق من فراغ. ويلحظ هذا الهدف تأكيد ايران جهوزيتها لمساعدة لبنان عبر 3 ملفات كبرى: أولا ملف البنى التحتيّة، بحيث تؤكد انها قادرة على احداث خروقات كبيرة في هذا المجال سواء في قطاع الكهرباء او شبكات الصرف الصحّي أو الجسور والطرقات والأنفاق، وصولا الى سدود المياه كما استعدادها لاقامة شبكة مترو في بيروت الكبرى. أما الملفّ الثاني الذي سيؤكد ظريف للمسؤولين اللبنانيين الذين سيلتقيهم اليوم استعداد بلاده للمساعدة فيه، فهو الدعم الاجتماعي سواء في مجال الصحّة أو الشؤون الاجتماعية أو الاسكان. وليس خافيا على أحد أن الملف الثالث الذي أعلنت ايران أكثر من مرة جهوزيتها للمساعدة فيه هو تسليح الجيش اللبناني. وتشير المصادر الى ان ظريف سيبلغ المعنيين بأن بلاده جاهزة لتأمين كل ما يطلبه لبنان والذي لن يتجاوز كحد اقصى الـ3 مليار دولار. وتضيف المصادر، "قد يتساءل البعض ما الذي تغيّر بين العامين 2014 و2019 لتعود ايران لتطرح تسليح الجيش؟، والجواب ان العقوبات التي كانت تطال ايران وقتذاك كانت عقوبات دوليّة، أما العقوبات اليوم فهي أميركية وبالتالي هناك امكانيّة للالتفاف حولها". وتوضح المصادر الى ان طهران في الاعوام الماضية كانت تخوض حربًا دفاعيّة شرسة وبخاصة في سوريا، أما اليوم فهي بموقع المنتصر ما يخوّلها استثمار انتصاراتها. وتقول المصادر، "قد يكون لبنان حقيقة غير قادر على الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن في هذا الملف، لكنه سيحتفظ على الأقلّ بورقة تجعله يضغط على الادارة الاميركيّة لتأمين بعض السلاح المحرّم عليه، والا لوّح بالاستجابة للعرض الايراني".
بالمحصّلة لم يعد خافيا على أحد ان لبنان تحول بما لا يقبل الشك الى ساحة كباش أميركي–ايراني، فهل سيصبّ ذلك لمصلحته من خلال الضغط لتأمين احتياجاته من خلال ممارسة الضغوطات، أم أنه سينعكس سلبا عليه على غرار ما كان يحصل ابّان الكباش السوري–السعودي المباشر؟. ولعلّ الايام القليلة المقبلة قادرة على حسم الموضوع مع ترجيح الخيار الأول.