التفاهم الروسي ـ الإيراني على أولويات الملف السوري، وصل إلى مرحلة متقدمة، رغم وجود بعض التباين بين الجانبين في تنفيذ آليات المراحل.
أحد سفراء روسيا في الشرق الأوسط قال، ضمن حلقة حوارية ضيقة، إن سياسة بلاده، ومنذ تدخلها في سورية، تركزت على تعزيز المصالحات والتسويات وإيجاد مناطق خفض التوتر، وتنفيذ الأهداف الأساسية التي تعزز دور الدولة السورية، ومنها القضاء على الإرهاب بأقل الخسائر الممكنة، معتبراً أنه في بعض الأحيان كان لا بد لروسيا من استعمال قواتها العسكرية نظراً لخطورة وجود بؤر إرهابية شكلت وما تزال تشكل تهديداً مباشراً، ليس على الدولة السورية ووحدة أراضيها فحسب، وإنما على المنطقة برمتها وصولاً إلى روسيا نفسها.
يضيف السفير الروسي قائلاً: أنتم تشهدون على تحسن الأوضاع في سورية واستعادة سيطرة الجيش العربي السوري على معظم التراب السوري، وتحريره من قبضة الإرهاب الذي كان منتشراً على مساحات واسعة، وإن كان ذلك تم بمساعدة روسيا فإنما الفضل في إنجاح هذا الأمر يعود إلى بسالة الجيش العربي السوري والحلفاء في تصميمهم على خوض أشرس المعارك، ونحن نشهد على ذلك.
يضيف السفير الروسي: لقد أنجز الكثير ولم يبق إلا القليل، وإن استعادة كامل التراب السوري والإعلان عن سيطرة الجيش العربي السوري على كامل مساحة سورية، بات مسألة وقت وفي متناول اليد، وإن الأمور ماضية بشكل مرضٍ في معالجة الأوضاع في إدلب وشرق الفرات، حيث لا بد من إيجاد قواسم مشتركة بين عدة جهات، أي بين الدولة السورية وتركيا مشدداً على أن الأولوية تبقى دائماً لإعادة سيادة الدولة السورية في هذه المناطق وعلى كل خريطة سورية.
ولدى سؤال السفير الروسي عن وجود تباين بين إيران وروسيا في سورية، خصوصاً لجهة مراعاة العدو الإسرائيلي في تنفيذ غاراته على سورية، نفى السفير وجود تباين بين روسيا وإيران حول سورية، لافتاً إلى أن هناك تعاوناً كاملاً بين الدولتين، لكن هذا لا يعني التطابق مئة بالمئة في المواقف لأن لكل مرحلة ظروفها، موضحاً أن موسكو ليست من ضمن محور المقاومة، ومشيراً إلى أن هناك مبالغة في الحديث عن مراعاة بلاده لأمن إسرائيل، «لأن روسيا تريد توفير الأمن للجميع، بالدرجة الأولى لسورية ولكل الجوار، بما في ذلك إسرائيل».
وختم السفير الروسي بالقول إن قرار الانسحاب الأميركي من سورية جاء نتيجة طبيعية، لأن المشروع الأميركي في سورية الذي كان يستعمل الإرهاب لخدمة أهدافه سقط. أما الآن، وبعد صمود سورية ونجاح جيشها بتحرير معظم الأرض السورية من الإرهاب والقضاء على بؤره في سورية، فكان لا بد للأميركي من إعلان انسحابه من سورية ومن كل المناطق والدول التي استعمل الإرهاب فيها واجهة لتنفيذ أجندته. فمثلاً، ها هو الأميركي، ونتيجة الخسائر البشرية الفادحة في أفغانستان، قرر اللجوء إلى عقد اتفاق مع طالبان والانسحاب تدريجياً من ذاك البلد.
تبقى إسرائيل نقطة الخلاف بين روسيا وإيران، فروسيا تريد تأمين مصالح الجميع على أساس رابح رابح، أما إسرائيل بالنسبة لسورية ومحور المقاومة فهي كيان غاصب محتل لفلسطين العربية، وهي شر مطلق ورأس الحية السامة.
صحيح أن المسار الروسي في سورية أثمر تقدماً ملحوظاً لمصلحة الدولة السورية، إلا أن إيران وحزب الله، والجيش العربي السوري، في نيتهم ترجمة هذا التقدم بانتصار يتوج بقرار حاسم يمنع العدو الإسرائيلي من استمرار استباحة طائراته الحربية للأجواء اللبنانية لتنفيذ اعتداءاته الجوية منها على سورية.
الكلام الأخير للأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصر اللـه فسّر على مستوى الرأي العام، وخاصة الرأي العام اللبناني، وكأنه يقول «لقد طفح الكيل وأعذر من أنذر ولا يمكننا السكوت عن ذلك بعد اليوم».
روسيا المتهمة بمراعاة إسرائيل وبغض الطرف، تبلغت الرسالة، فأرسلت إلى العدو الإسرائيلي مساعد وزير الخارجية الروسي للشؤون الإسرائيلية سيرغي فرشينين والمبعوث الشخصي للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف برسالة روسية حازمة مفادها ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على سورية، وأن روسيا لا يمكنها مراعاة إسرائيل بعد اليوم، لأن ذلك من شأنه أن يستجلب رداً قاسيا من جانب سورية ومحور المقاومة، وهذا الأمر سيؤدي إلى تفجير الأوضاع في المنطقة على نطاق واسع، بشكل يلحق الضرر البالغ بإنجازات روسيا في المنطقة، وهذا الأمر لن نسمح بحدوثه مطلقاً.
التحذير الروسي إلى العدو الإسرائيلي انسحب على الجانب التركي، حيث أبلغ أردوغان، الذي تخلف عن وعده بتنفيذ بنود أستانا، أن تطهير منطقة إدلب من الإرهاب واستعادة منطقة شرق الفرات إلى كنف الدولة السورية أمر واقع لا محالة، وذلك بعد تلمس أجواء اتفاق بين الكرد والدولة السورية برعاية روسية.
الاجتماع المنتظر بين بوتين وأردوغان وروحاني في منتصف الشهر الجاري، سيكون حاسماً لجهة التزام أردوغان بقواعد الاشتباك حسب الروزنامة الروسية الإيرانية السورية. وبحسب بعض المطلعين فإن الاتصال بين تركيا وسورية للتنسيق الأمني بوساطة روسية إيرانية مشتركة، بات أمراً واقعاً ولا مفر منه.
الرئيس التركي أردوغان أعلن أن التواصل الأمني مع سورية، أضحى أمراً قائماً، في إشارة إلى التزامه المسار الروسي الذي بدوره ضمن الاتفاق بين الكرد والدولة السورية، خصوصاً لجهة إشراك الكرد باللجنة الدستورية المزمع تشكيلها، لكن من دون شروط كردية مسبقة.
أردوغان قرأ الرسالة الروسية الموجهة للعدو الإسرائيلي وفهم محتواها، ومما لا شك فيه أن أردوغان البراغماتي بات أكثر قناعة أن لا تعويل على الأميركي بعد الانسحاب، وان المصلحة التركية في إدراك معنى الرسالة الروسية ومضمونها بأن إدلب والشمال السوري عائد إلى كنف الدولة السورية، إما بتجديد تفعيل اتفاق أضنة دون تعديلات وإما بالعملية الجراحية العسكرية الدقيقة والمدروسة.
أردوغان بات خبيراً في ترجمة التصميم الروسي الإيراني السوري، ولا شك أنه أدرك ثمن عواقب القيام بأي مغامرة غير محسوبة، وبات يفضل الوقوف عند الحدود المرسومة.
سورية أمام مرحلة ما بعد الإرهاب وقواعد جديدة ستصرف بالانتصار، فهل يلتزم العدو الإسرائيلي بقواعد النصر السوري.. أم أنه سيختار المغامرة لتغيير القواعد؟
لم يعد العدو الإسرائيلي يملك ترف الخيارات، وان خياراته ومساحاته الجوية أضحت ضيقة، وما علينا سوى الانتظار بين تثبيت الانتصار.. أو الانزلاق نحو الانفجار.