من مكتبه في قصر بعبدا، سيتابع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جلسات مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري للحكومة لمنحها الثقة على أساسه.
رئيس الجمهورية سيتابع أدق التفاصيل وكل كلمات النواب، ويدوِّن ملاحظاته، لأن بعد هذه الجلسات ستبدأ جلسات مجلس الوزراء ليس لتطبيق البيان فحسب بل لمتابعة تطبيق خطاب القسم الذي هو أكثر شمولًا.
لكن رئيس الجمهورية، قبل البيان الوزاري وبعده، معنيٌ بما يحدث في البلد وفي يوميات المواطنين، لأنه يعرف تمام المعرفة أن النجاح يعني نجاح العهد، وأن الفشل، لا سمح الله، سيُقال عنه إنه فشلٌ للعهد. وللعِلم، فإن الرئيس عون لم يناضل منذ وصوله الأول الى قصر بعبدا عام 1988 ووصوله الثاني عام 2016، من أجل ان يكتب التاريخ عنه أنه لم يحقق آمال شعبه. يُدرِك جيدًا وقعَ التاريخ على شخصيته، ويحاول جيدًا ان يكتب تاريخه بنفسه، لا يهتم للصغائر وللحرتقات بل للمسار العام للدولة، وكيف ستستطيع الحكومة، بصفتها السلطة التنفيذية لإدارة البلاد، إخراج الوضع من الدَرْك الذي هي فيه.
***
لا يختلف إثنان في البلد على ان الوضع اليوم هو عبارة عن "وجعة رأس" خصوصًا بالنسبة إلى المرجع الأول في الدولة، يعرف حقيقة مكامن الخلل، سواء قبل الطائف أو بعده، يعرف الترهل في إدارة الدولة، وكم كانت له صولات وجولات إسبوعية بعد اجتماعات "تكتل التغيير والإصلاح" التي كان يعقدها في الرابية ، قبل أن يصل إلى قصر بعبدا، وهو اليوم "يقاتل" بما ملكَت يداه من صلاحيات أعطاها الدستور لرئيس الجمهورية.
لعلها المرة الأولى في تاريخ الحكومات والعهود بعد الطائف، ان يكون رئيس الجمهورية هو الحَكَم عند تأليف الحكومات، فلقد أعاد للتوقيع هيبته ورونقه، كان يضع ملاحظاته على كل صيغة تصل إليه، إلى ان ثبت للقاصي كما للداني ان الكلمة الأولى والأخيرة في موضوع التشكيل هي لرئيس الجمهورية.
اليوم وصلنا إلى هنا، فماذا بعد؟
السلطة التنفيذية تعمل، أو هكذا يُفترض، في شكلٍ يومي. المراقبة عليها من السلطة التشريعية يجب ان تحصل في شكل يومي، لكن الأساس في كل ذلك ان تكون الرقابة عليها من الإعلام ومن الرأي العام، فالإعلام هو الصوت الصارخ في "بريَّة" السلطة:
لا يتهاون، يسمي الاشياء باسمائها، لا يتراجع.
لماذا؟ لأنه لم يعد هناك من مجال لتمديد فترة السماح للسلطة، فهذه السلطة تسامحت بما فيه الكفاية، ولا يجوز بعد اليوم ان تُعطى فترة سماح إضافية، فمَن يفشل فليترك المسؤولية لغيره، فكم من رجالات البلد الذين نجحوا وابدعوا في القطاع الخاص بإمكانهم نقل تجاربهم ونجاحاتهم الى الشأن العام، معظمهم ينتظر هذه اللحظة ليبرهن للجميع أنه قادرٌ على خدمة البلد.