تنعقد قمة سوتشي الثلاثية روسيا إيران تركيا على وقع سلسلة من الاحداث وتزاحم المشاريع حول سورية وفي ظروف باتت فيها المناورات التي يلعبها هذا الفريق او ذاك مكشوفة محدودة الهوامش في ظل انكشاف شبه تامّ لإمكانات الأطراف اللاعبين على المسرح السوري ولأهدافهم وخلفيات هذه الأهداف ومدى قدراتهم على تحقيقها كلياً او جزئياً.
فقد بات مؤكداً الآن وكما كنا نعتقد منذ البدء، ان تركيا لا تريد تنفيذ اتفاق سوشي حول منطقة ادلب ومحيطها، متذرعة بذرائع شتى منها النقص في القدرات وعدم تهيؤ الظروف للتنفيذ. وهو استنكاف أدى كما يعلم الجميع الى تعطيل الاتفاق ومرور 5 أشهر حتى الآن انتظرت خلالها تشكيلات الجيش العربي السوري وحلفاؤه على مشارف المنطقة الساعة الصفر للانطلاق في عملية تحرير مركبة اعدت لها وخططتها بشكل علمي وواقعي منسق مع الحلفاء، ولكنها جمدت بسبب اتفاق سوشي اولاً ثم القرار الأميركي بالانسحاب من سورية الذي فرض تنازع الأولويات في الميدان السوري بين الشمال الغربي والشمال الشرقي.
لقد أدى النكول التركي المشار اليه الى تمكين جبهة النصرة الإرهابية من القيام بعملية ميدانية واسعة تمددت فيها على حساب الفصائل الإرهابية الأخرى وجمعت بيدها عبرها أوراقاً مهمة في الميدان وسواه. وعليه بات من الميؤوس منه ان يراهن أحد على دور تركي تنفيذي لاتفاق سوشي، لا بل بات المطلوب من تركيا ان توقف معارضتها للعملية العسكرية السورية التي تشكل البديل المنطقي للنكول التركي خاصة في ظل سيل من الاستفزازات التي تقوم بها جبهة النصرة الإرهابية ضد قوى الجيش العربي السوري المحتشدة في محيط المنطقة. استفزازات تتم بقصد ارهاق القوى السورية وضرب معنوياتها والحؤول دون انطلاقها في عملية التحرير، ورغم ذلك تدعي تركيا ان هذه الاستفزازات لا تبرر العملية التحريرية.
ومن جهة أخرى بات شبه مؤكد ايضاً ان اميركا ورغم الزئبقية في تحديد المهل للخروج من سورية، هي بصدد التنفيذ الفعلي لقرار ترامب بالخروج البري من سورية في مهلة أقصاها الأول من أيار المقبل أي بعد 80 يوماً من الآن وهو ما تبقى من المهلة الممددة التي حددها ترامب لقادته العسكريين بوجوب الخروج من سورية في مهلة أقصاها 120 يوماً. وبات المشهد والسلوك الأميركي يوحي بان الانسحاب قد وضع موضوع التنفيذ العملي وانه سيبدأ في غضون أسابيع قليلة، كما قال رئيس الأركان الأميركي فوتيل خاصة بعد وصول 450 جندياً أميركياً من أصل 600 لتغطية الانسحاب بشكل مخطط آمن، وبعد البدء بنقل العتاد الثقيل الى قاعدة عين الأسد في العراق التي يخطط الأميركيون لتحويلها الى منطلق للتدخل الجوي في إيران وسورية .
ثم يأتي تنفيذ الفصل الأخير من مسرحية «انهاء وجود داعش في شرق الفرات في سورية» ليرسخ هذه القناعة، حيث أعلن عن اتفاق ثلاثي اميركا قسد داعش يقضي بخروج من تبقى من قيادات وعناصر هذا التنظيم الإرهابي خروجهم الآمن من المنطقة وحلول قسد مكانهم في ظل رعاية أميركية تسبق الخروج الأميركي النهائي من المنطقة، هذا الخروج الذي اقتنع الاكراد أخيراً بانه سيحصل وبان من ادعى بانه جاء لنصرتهم في مشروعهم الانفصالي سيتركهم يتخبطون بأحلامهم العقيمة محبطين وسيخرج في اسابيع معدودة.
أما تركيا فهي تطمح بأن تستغل ما حصل في ادلب على يد جبهة النصرة، وهو لم يكن معاكساً لإرادتها، رغم ما قيل او تظاهرت هي وآخرون بالإيحاء بعكس ذلك، وتطمح لان تكون البديل الميداني والسياسي للاحتلال الأميركي في سورية بعد أن قال ترامب لأردغان «اعطيك سورية كلها واخرج»، ما جعل تركيا تطرح مجددا مشروع إقامة «المنطقة الآمنة « على الحدود التركية السورية بطول 450 كلم وعرض 32 كلم مساحة تعادل مرة ونصف مساحة لبنان خاصة أن لهذه المنطقة في المنظور التركي وظائف تتعدى الأمن طبعاً لتصل الى البعدين السياسي والاستراتيجي. منطقة ترى تركيا في حال النجاح في إقامتها فرصة لإسكان 4 ملايين سوري فيها تمسك هي بقرارهم وتجعلهم تحت سيطرتها ما يجعلها شريكاً دائماً للحكم في سورية ويطوي نهائياً ملف الإسكندرون المحتل.
لكن تركيا صاحبة هذه الأحلام تنسى انها لا تلعب مع بسطاء في السياسة أو ضعفاء في الميدان، ورغم ان الأطراف الآخرين يدارون تركيا في كثير من المواقف مدفوعين برغبة إبعادها عن اميركا او على الأقل وضعها في الوسط بينهم وبين اميركا. ان تركيا هذه تصطدم بعوائق وعقبات كثيرة تمنعها من تنفيذ مشروعها الخاص الذي يبدو عند العارفين بحقيقة المشهد ومعادلاته، أنه مشروع غير قابل للتنفيذ لأكثر من اعتبار ميداني وسياسي وديمغرافي واستراتيجي ليس المجال هنا متاحاً لشرحه، ولهذا عبرت روسيا وبدبلوماسية رفيعة عن رفض المشروع بطرح العودة الى اتفاقية أضنة، وتلقفت سورية الطرح لتؤكد استعدادها له وتنفيذه مع كامل ما يقتضي أي العودة بالحال التركي والوجود العسكري التركي على الحدود الى ما كان عليه في العام 1998 وإخلاء تركيا كل ارض تحتلها في سورية.
ويبقى في اطار عرض المشاريع والمشاريع المضادة أن نشير وبعجالة سريعة الى عناوين سقطت وباتت من الماضي فنذكرها على سبيل الاعتبار والاستفادة من دروسها. فنذكر مشروع تقسيم سورية الذي سقط بالضربة القاضية، ومشروع الفيدرالية الواهنة التي يكون الكرد اول المنفذين فيها بإقامة الإقليم ذي الحكم الذاتي الواسع الانفصالي بإشراف أميركي إسرائيلي، او مشروع نشر قوات عربية خليجية شرقي الفرات لإقامة الكيان العربي الكردي الانفصالي المقنع بلامركزية سياسية موسعة، دون ان نسى الكم الفضفاض من الطروحات التركية السابقة بدءاً بالمنطقة الأمنية بعمق 100 كلم ومنطقة الحظر الجوي او الممرات الآمنة او المنطقة او المناطق العازلة، مشاريع ومشاريع اسقطتها الدفاعات السورية الذاتية والحليفة وحصرت الأمور باتجاه مشروع وطني سوري واحد يحفظ وحدة البلاد وسيادتها.
في ظل هذه الحقائق والمعطيات الثابتة تنعقد قمة سوشي الثلاثية بعد يومين أي منتصف شباط/فبراير الحالي. قمة ستكون على قدر كبير من الأهمية نظراً لأهمية وخلفية الواقع والاحداث والمشاريع التي عرضنا خطوطها العريضة. فما هو المرتقب من هذه القمة وكيف ستسير الأمور بعدها؟ سؤال نطرحه ونتوقع ان تكون الإجابات فيه على الوجه التالي:
أولاً: لن يكون بمقدور قمة سوتشي التغافل عن وضع إدلب والتراجع التركي عن تنفيذ قرار سوشي حولها، لذلك سيكون من المتوقع ان تتبنى القمة ان لم يكن بالإجماع فبالأكثرية مع تحفظ او سكوت تركي، تتبنى إطلاق عملية تحرير ادلب عسكرياً بيد الجيش العربي السوري والحلفاء في توقيت تحدده القيادة السورية على ضوء ما ستؤول اليه الأمور في شرق الفرات الذي ينتظر الانسحاب الأميركي في أقل من 80 يوماً. وتوطئة لهذا الامر أعلنت روسيا مستبقة القمة ان «عملية ادلب إذا تمت ستكون مخططة ومنسقة مع الحلفاء»، وعلى اللبيب ان يفهم الإشارة الروسية تلك.
ثانياً: سيكون على قمة سوشي اتخاذ موقف علني حاسم من مجريات الأمور شرق الفرات ومما يطرح حولها. وهنا سيكون منتظراً ان ترفض القمة على طريقتها بالتعبير المنطقة الآمنة وتتمسك باتفاقية اضنة وترفض أي مس بوحدة سورية واستقلالها وسيادتها على كل شبر من ارضيها، وهنا سيكون صوت السوريين في الرقة ودير الزور الذي صدح منذ يومين عبر المظاهرات والتجمعات المدنية رفضاً لأي احتلال أميركي او فرنسي او تركي او سواه، سيكون مسموعاً في قاعة الاجتماع حتماً ويكون على تركيا ان تصغي الى هذا الرفض.
ثالثاً: ومن أجل التأكيد على الجدية في مقاربة الحل السياسي ستجد القمة نفسها متحفزة لدعم العملية السياسية في محطتها البدئية المعبر عنها بإطلاق عمل اللجنة الدستورية، وفقاً لما توصل اليه البحث في التشكيل والمهمة وما وافقت عليه سورية ومنظومة استانة بهذا الصدد بعيداً عن الاملاءات الغربية او الشهوة الأميركية.