لم تكن زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى لبنان عابرة، بل جاءت نتيجة سباق إقليمي بإتجاه بيروت، قاد المملكة العربية السعودية لإرسال موفدها المتخصص بالملف اللبناني نزار العلولا، لفرض وجود الرياض ايضاً في المساحة السياسية في لبنان.
تميّزت زيارة ظريف بالهدوء السياسي الذي تعكسه رصانة رأس الدبلوماسية الإيرانية، وعدم إستفزازه اي فريق لبناني، لا بل كان يركّز في لقاءاته على استعداد طهران لمساعدة لبنان، بتسليح الجيش، او بتزويد بيروت بالأدوية، أو بصناعات إيرانية، وفق حاجات وشروط وموافقة اللبنانيين. أمّا عن الخشية اللبنانية من العقوبات الدولية، وتحديدا الأميركية، فقدّم ظريف أفكارا بناءة لمنع تأثّر لبنان، كما يفعل العراق او الهند، او دول اوروبية، في التبادل التجاري بينهم وبين ايران، رغم علاقة تلك الدول المميّزة بالولايات المتحدة الأميركية.
لم يُظهر الوزير الإيراني أي كلمة، ولا هو أدلى بأي خطاب في كل محطّات زيارته، يشكّل مادة سياسية للتهجّم على الجمهورية الاسلامية، بل ابدى الحرص الكامل على مراعاة طبيعة البنية اللبنانية وتشكيلاتها السياسية. وبتلك الخطوات تكون طهران أعلنت بالشكل والمضمون عن دعم الحكومة اللبنانية الجديدة، ما استدعى تحرك السعودية نحو بيروت، في زيارة داعمة أيضا، قد تصل الى حد ترجمة الدعم بتقديمات أو وضع ودائع مالية في مصرف لبنان.
يعني ذلك، ان بيروت بعيدة عن النزاع الاقليمي المتواصل، من سوريا الى اليمن، فتؤكد الزيارات المتتالية وجود قرار دولي-اقليمي بتحييد لبنان عن حرائق ومشاريع تسويات المنطقة. لماذا؟ يصف دبلوماسيون فكرة التحييد بأنها ناتجة عن اقرار المعنيين الدوليين بإبعاد لبنان عن القسمة والجمع والطرح في المشاريع الاقليمية والدولية التي تعدّ للمنطقة. لأن لبنان يتميز بتشكيلة طائفية-سياسية، لا يمكن بعثرتها، ولا اعادة فرزها وفق غالب ومغلوب. خصوصا ان لكل فريق خارجي حصة سياسية في لبنان، أثبتت السنوات الماضية عدم القدرة على ضرب توازناتها، تحت طائلة تهور البلد نحو حرب مفتوحة، تعيد تجربة الحرب اللبنانيّ التي بدأت منذ عام 1975 وبقيت حتى اقرار اتفاق الطائف في السعودية. علما ان لبنان الذي يتربع على مساحة الازمة الاقتصادية الخطيرة، يحتاج الى لمّ الشمل الداخلي فيه، كما عبّرت عملية تأليف الحكومة، لا استحضار الخلافات الاقليميّة اليه، وهذا ما أكده رئيس الحكومة سعد الحريري خلال زيارته دبي منذ أيام. لأن تلك الدول الحاضرة في لبنان ليست مستعدة لتزويده بالأموال، كما كانت تفعل سابقا. فلا قدرة لدى الايرانيين او الخليجيين على تقديم الهبات والاموال السياسية الى اللبنانيين، بسبب التقشّف المالي الذي تمارسه كل الدول المذكورة، من دون استثناء. فالدعم سيكون محدودا، امّا بوديعة لا هبة مالية، أو بخطوات محدودة كمشروع تسليح الجيش او تزويد الايرانيين لبنان بالدواء.
تعلم ايران ان خطوتها التي اظهرت فيها الدعم، لا يمكن ترجمتها بالكامل في لبنان. لأن شروط تسليح الجيش ستتعلق بمنظومة عسكرية متكاملة، لا يمكن تجزئتها. ولن يقبل لبنان هبة مجهولة المسار والمصير، في حال كانت تؤثر على التسليح الأميركي القائم للمؤسسة العسكرية اللبنانية. وقد تقتصر في احسن الاحوال بدعم لبنان بآليات متواضعة، او معدّات، لا علاقة لها بنظام دفاع جوي، كما أشيع. لأن طبيعة لبنان الجغرافية لا تسمح بوجود طائرات ولا صواريخ ثقيلة.
في اي حال، سيكون النقاش اللبناني مفتوحاً حول الخطوات الايرانية والخليجية، بهدوء هذه المرة، تحكمه طبيعة المرحلة الاقتصادية الصعبة، ووجود قرار دولي بتحييد لبنان.
بينما ستكون سوريا خاضعة لمشاريع عدة، يتقدم فيها الروس على الآخرين، من دون بت تسوية نهائية كاملة، لعدم وجود اقرار دولي بفرض أي تسوية. لا يعني ذلك، استمرار الحرب، بل تدرج الهدوء الميداني، وابقاء القلق السياسي.