تنال حكومة سعد الحريري الثقة اليوم في المجلس النيابي، فلا شيء يمنع ذلك بعد أن تشكّلت من كل الكتل النيابية الوازنة، الأمر الذي يجعلها مشابهة "لمجلس نيابي مصغّر". إن هذه الثقة المتوقعة لم تُحجب سابقًا عن أيّ حكومة، منذ الحكومة الأولى للبنان عام 1926، حتى اليوم، لأنّها عادة ما تكون الحكومات نتيجة اتفاقات سياسيّة بين الكتل البرلمانيّة، مع العلم أنّ هذا الأمر قد لا يكون صحيًّا في الحياة البرلمانيّة.
إن عدم سقوط الحكومات بفعل حرمانها الثقة، يجعلنا نبحث تاريخيًّا عن الحكومات التي سقطت بفعل "النقمة" الشعبيّة، ويوصلنا الى نتيجة مفادها ان خمس حكومات فقط سقطت بفعل ضغط الشارع، فمن هي هذه الحكومات وكيف سقطت؟.
الحكومة الأولى هي حكومة رشيد كرامي تاريخ 8/1/1969 حتى 25/4/1969. بعد عمليّة مسلّحة نفّذتها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في أواخر كانون الاول 1968 ضد طائرة ركّاب اسرائيلية في أثينا، وعلى اثر هذه العمليّة قيام قامت مجموعة من المظليين الاسرائيليين بانزال في مطار بيروت الدولي ودمّرت 13 طائرة، الأمر الذي أدّى بعدها بأيام في 30 كانون الاول الى استقالة حكومة عبدالله اليافي، وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة رشيد كرامي في 8 كانون الثاني من العام 1969، والّتي لم تستطع الصمود لأسباب سياسية تتعلق بتسمية الوزراء فيها واستقالة بعضهم، ولأسباب شعبية "لبنانية-فلسطينية"، فاستقالت على اثر ضغط اللبنانيين بالشوارع في 25 نيسان عام 1969، وحصول الفراغ الحكومي لمدّة 7 أشهر.
الحكومة الثانية هي حكومة تقي الدين الصلح تاريخ 8/7/1973 حتى 31/10/1974. شكّل تقي الدين الصلح حكومته على وقع خلافات سياسيّة كبيرة جدا، أدّت لاستبعاد كمال جنبلاط عن الحكومة، وتوزير مقرّبين من الأحزاب الرئيسيّة في تلك الفترة، التي شهدت "حرب أكتوبر" وما رافقها من انعكاس سياسيّ واقتصاديّ على لبنان، فشكّل الحدث الأبرز اذ ارتفعت الأسعار بشكل فاحش واندلعت التظاهرات والإضرابات التي شارك فيها الاتحاد العمالي العام والطلاب، وكانت فيها المطالبة بزيادة الحدّ الادنى للأجور بنسبة 15%، الأمر الذي دفع الحكومة الى الاستقالة تحت وطأة الضغط الشعبي.
ثالث الحكومات هي تلك التي شكّلها العميد نور الدين الرفاعي، ولم تصمد لأكثر من يومين ونصف اليوم في أيار من العام 1975. مع اندلاع أحداث الحرب اللبنانية من حادثة "باص عين الرمانة" واستقالة وزراء حكومة رشيد الصلح تباعا، والتدخل السياسي لأجل إقناع الصلح بالتنحي، بالإضافة الى ما شهدته الساحة اللبنانية آنذاك من حوادث، ومن زجّ للجيش اللبناني في آتون المشاكل الداخلية، قام رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية بتعيين العميد المتقاعد نور الدين الرفاعي في 23 ايار 1975 رئيساً لمجلس الوزراء، فشكّل حكومته من 6 وزراء من العسكريين، وكان هدفها تحييد الجيش، وتسليمه مهمة حفظ الأمن فقط. ولكن مع بروز التشكيلة نشأت معارضة رباعيّة لها تمثّلت بوثيقة وقّعها كمال جنبلاط وصائب سلام ورشيد كرامي وريمون ادّه، الامر الذي أدّى الى عقد قمّة اسلاميّة أجمعت على تسمية رشيد كرامي ليكون رئيساً لحكومة جديدة، فتحرّك الشارع وحصلت فوضى سقط بسببها قتلى وجرحى فقدمت حكومة الرفاعي استقالتها.
اما الحكومتان الرابعة والخامسة فكانتا لعُمر كرامي الأولى عام 1992، والثانية إثر اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005. بالنسبة الاولى، بعد أخذ ورد في استقالات لوزراء ومن ثم العودة عنها، وسوء حالة الوضع الاقتصادي بسبب تدني قيمة الليرة اللبنانية، واعلان الإضراب العام لمدة 4 أيام، وانطلاق تظاهرات شعبيّة ضخمة في مناطق لبنانيّة متعدّدة مترافقة مع أعمال شغب طالت منازل مسؤولين ووزراء، ومؤتمرات كانت منعقدة في بيروت، استقالت الحكومة.
اما الحكومة الثانية التي سقطت بفعل تحرّكات الشارع، فلا تزال أحداث تلك الفترة شاخصة امام أعين الجيل الشاب الذي عايش تلك المرحلة. حيث جاءت الاستقالة إثر حصول عمليّة اغتيال الحريري الأب في 14 شباط عام 2005، وتحديدا في جلسة نيابيّة عُقدت لمساءلة حكومة كرامي في أواخر شباط من العام نفسه، وعلى وقع تحركات الشارع المطالبة آنذاك باستقالة كرامي من رئاسة الحكومة، قدّم استقالته بطريقة مفاجئة خلال القسم الثاني من الجلسة دون تنسيق مسبق مع حلفائه.
اذا، خمس مرات تمكّن اللبنانيون لأسباب مختلفة من إسقاط الحكومة بالشارع، ولكن يبدو أن هذا الامر اليوم بات أصعب، خصوصا بعد تظاهرات عام 2006 والاعتصام الشهير في وسط بيروت للمطالبة بإسقاط حكومة فؤاد السنيورة دون جدوى.