بدت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى لبنان في الساعات الماضية، وكأنها تحمل طابع "الازدواجية". فمن الناحية الرسمية، احيطت الزيارة بطابعها البروتوكولي العام، وجال الوزير الايراني على رئيس الجمهورية ورئيسي مجلسي النواب والوزراء بشكل عادي، قبل ان تلتقط عدسات المصورين لقاء الخارجيّة الذي بدا وكأنه بين صديقين اكثر منه بين وزيرين. اما من الناحية الشعبية، فكالعادة كانت الزيّارة محطّ انقسام بين مؤيّد لها ومعارض بسبب الاصطفافات السياسية الحاصلة. وبين هذا وذاك، كانت الناحية الاقليميّة والدوليّة حاضرة في اكثر من محطّة انما بعيداً عن الانظار.
رسمياً، حصدت الزيارة نتائج مماثلة لتلك التي كانت تحصل سابقاً، فهي ليست المرة الاولى التي يزور فيها مسؤول ايراني لبنان وبالاخص الوزير ظريف، وفي كل مرة تتكرر المعضلة نفسها والعناوين العامة الاساسية لجهة عرض ايران مساعدة لبنان في اكثر من مجال وخصوصاً عسكرياً، مقابل امتناع لبناني عن التفاوض بسبب "الفيتو" الدولي. انما خلال هذه الزيارة، كان هناك كلام واضح ولافت عن قضية اللبناني نزار زكا ووعد رسمي بالسعي الى حلّ القضيّة بما يرضي الجميع، ولو دون تحديد موعد لذلك. ولم تكن قضيّة زكا الوحيدة التي أعطت للزيارة طابعاً مميزاً، فقد تردّد في كواليس المتابعين لها، أنّ ايران عرضت التوسط لتقريب وجهات النظر مع سوريا رسمياً لما فيه مصلحة البلدين، مع اعطاء ضمانات معيّنة لطمأنة الشريحة القلقة من ان تأخذ العلاقات بين لبنان وسوريا منحى مغايراً لما يرغب فيه الجميع. هذه النقطة التي يتم تداولها لم تقنع البعض لاكثر من سبب، والاهم من بينها انه لا يمكن لايران ان تلعب مثل هذا الدور لانها ليست قوة عظمى على غرار الولايات المتحدة او روسيا، كما انه ليس هناك من اجماع لبناني حولها، فهي اساساً محط انقسام وخلاف في الرأي داخل المجتمع اللبناني، ولا يمكنها بالتالي ان تلعب دور الوسيط مع اي كان في حال كان لبنان طرفاً في المسألة.
واذا تبيّن ان هذا الكلام غير جديّ، فإن النتيجة الاقليمية للزيارة تأخذ دورها. فالزيارة كانت بمثابة رسالة تلقّفتها السعوديّة عاجلاً، لجهة ان الحضور الايراني قد يتعزّز في لبنان على حساب الحضور السعودي، ليس على المستوى الشعبي، بل على المستوى الرسمي. فكان الرد بالاعلان عن زيارة سيقوم بها نزار العلولا (المستشار في الديوان الملكي) للتهنئة بتشكيل الحكومة. هذا الهدف المعلن من الزيارة يخبّىء ايضاً اهدافاً اخرى دون شك، لانّ الحديث عن مشاركته في ذكرى اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ليس من باب الصدفة، وهو أمر يرى العديد من المحلّلين انه يصبّ في خانة إعادة الاعتبار للدور السعودي في لبنان واحتضان السنّة، والعودة الى سياسة شدّ الحبال مع ايران على الارض اللبنانية، وسيترافق مع سلسلة خطوات عمليّة تعيد الى السعوديّة ما فقدته في السنوات القليلة الماضية في لبنان.
ويبدو انه في غياب اي قبول عملي لبناني لتسليح الجيش بسلاح ايراني، تبقى المشاريع الحيوية الاخرى الاقتصادية منها وتلك المتعلقة بالبنى التحتية هي الاهم، علماً ان ايران تدرك مسبقاً انها ستكون "محاصرة" اميركياً ودولياً في لبنان حتى في هذه المشاريع، لان اموال مؤتمر "سيدر" اجنبية ولن تذهب الى شركات ايرانية بطبيعة الحال، لذلك بدأ السعوديون يعودون الى الساحة اللبنانية، فيما الايرانيون حصلوا على ما يرغبون به عبر الاعلان عن استثمارات والتزام مشاريع في عملية اعادة الاعمار في سوريا.
في مطلق الاحوال، على لبنان واللبنانيين ان يكونوا متيقظين، ومنع اي محاولات تجاذب اقليمي على ارضهم، لان الفرصة التي تطل برأسها اليوم من اجل عودة لبنان الى مسار العافية والاستقرار الاقتصادي والمالي، قد تذهب الى غير رجعة في حال اساء اللبنانيون التصرف وفضّلوا الاصطفاف السياسي على المصلحة الوطنيّة.