من ضمن استراتيجيات ما بين الحروب، وفي أزمان اللاحرب المباشرة ضد حزب الله، تعمد إسرائيل إلى تفعيل مستمر لحملاتها الدعائية كي تُبقي تهديد قدرات الحزب حياً، فلا يغادر جدول الأعمال الدولي، بهدف منع تحوله إلى «ستاتيكو» ثابت ضمن المعادلات في المنطقة. في هذا السياق، وفي خدمة هذا الهدف، تواصل إسرائيل حملاتها في المؤسسات الدولية، وإن كانت تدرك مسبقاً محدودية الأثر المباشر لهذه الحملات. من ذلك حملة أعلنتها، أمس، وصفتها بـ«العملية الاستخبارية»، وهي تقضي بتوجه كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي إلى مجلس الأمن لعرض تقارير أعدتها الاستخبارات الإسرائيلية، في سياق هدف طموح لإعلانٍ أممي، أن حزب الله «تنظيم إرهابي».
صحيفة «يديعوت أحرونوت» كشفت أن «العرض» يأتي نتيجة أشهر من الجهد الإسرائيلي المكثف في الأمم المتحدة، بغية إقناع مزيد من الدول، وتحديداً الدول الأعضاء في المجلس، بضرورة الإعلان رسمياً أن حزب الله «كيان إرهابي».
يكشف الإعلان العبري أن الوفد العسكري الإسرائيلي مكون من ضباط رفيعي المستوى، من الاستخبارات العسكرية («أمان») تحديداً، الذين سيعرضون على المجلس «الأنشطة الإرهابية» لحزب الله في الساحة اللبنانية، بما في ذلك، بحسب إستخبارات إسرائيل، إقامة «بنية تحتية» كبيرة جداً في لبنان.
«العملية» هذه، كما يقدر، لن تأتي بجديد في سياق الاتهامات الإسرائيلية لحزب الله ولبنان، لكن ما تأمله تل أبيب، وتحديداً ما يأمله صانع القرار فيها، أن يتفاعل «الاستعراض الاستخباري» الموجه ضد حزب الله، داخلياً في لبنان وخارجه، لخدمة الاستثمار الدعائي السياسي والضغط التحريضي على عدوها، وإن كان هدف إصدار القرار المنشود، كما هو معلن، خارج القدرة الفعلية على التحقق.
إذاً، بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، وفي ظل تعزز مكانة حزب الله في لبنان، لا يبدو أن تل أبيب تنوي الوقوف مكتوفة الأيدي و«التسليم» بتعاظم قدرة الحزب دون السعي الى تحريك الداخل ضده. يأتي ذلك في ظل المعطيات التحريضية التي تصدرها إسرائيل للبنانيين، والتي كان آخرها موضوع الأنفاق على الحدود مع فلسطين المحتلة التي نسبتها إلى الحزب.
إذا كانت إسرائيل، نتيجة لقواعد الاشتباك وترسخها منذ سنوات، تمتنع عن المباشرة العسكرية ضد حزب الله في الساحة اللبنانية خشية تداعياتها، إلا أنها تتبع الخيارات البديلة السياسية والاقتصادية والتحريضية الدعائية، بهدف شيطنته والحد من مكانته، لتشغله في الداخل اللبناني عن تعظيم قدراته الدفاعية العسكرية في وجه اعتداءاتها. ومع اتضاح إخفاق هذه البدائل، ومحدودية قدرتها على تحقيق النتائج، لا يبدو أن إسرائيل ستعود إلى الخيار الأصيل، أي الخيار العسكري، بل ستذهب إلى مزيد من الشيء نفسه، رغم إدراكها المسبق محدودية نتائجها وتقلصها.