مع بداية أحداث الأزمة في سوريا لم تتأثر إيران كما تأثرت بعض دول العالم بالهجمات الإرهابيّة التي وصلت إلى معظم الدول الأوروبية. إلا أنه ومع بداية انتصار المحور الذي تنتمي إليه طهران في سوريا، ومع وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في السعودية وإطلاقه الوعد الشهير بنقل المعركة مع إيران الى داخلها، ومن ثم وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في أميركا، بدأت سخونة المنطقة تقترب من الحدود الإيرانية.
في الجمهوريّة الاسلاميّة تتعدد الأعراق، ومعها تولد الرغبات الإنفصاليّة عند بعض الجماعات في بعض المحافظات، ومن هذا الباب يدخل المتربصون بإيران والذين يحرضون على زعزعة استقرارها، فيضربون عبر حاملي النزعات الانفصاليّة، في كل مكان تصل اليه أيديهم.
بالحديث عن العمليّات الإرهابية في إيران، كان أول عمل إرهابي كبير في طهران في حزيران من العام 2017، حين تم استهداف البرلمان الإيراني ومرقد مؤسس الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني. وتوالت من بعدها العمليّات المتفرقة خصوصاً في محافظات الأهواز وسيستان وبلوشستان، لتظهر فعلياً الترجمة العمليّة للتهديدات الخارجية لإيران.
وبعد عمليّات حزيران 2017، سُجل 3 هجمات إرهابيّة من العيار الثقيل داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كان آخرها الذي حصل يوم الأربعاء الماضي في بلوشستان حيث قتل 41 شخصا من الحرس الثوري الإيراني. ولكن الامر اللافت هذه المرّة والذي تُطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، هو توقيت الهجوم المتزامن مع مؤتمر أوسلو الذي تعقده الولايات المتحدة الأميركية بحضور عشرات دول العالم بهدف مواجهة نفوذ إيران في الشرق الاوسط، وبالتزامن أيضا مع التوجه إلى فرض المزيد من العقوبات على طهران.
وفي هذا السياق قد تكون إيران تلقّت الرسالة التفجيريّة جيّدا، فهي لم تعد تخجل من تسمية المتّهمين، فالدول النفطيّة تقف وراء الهجوم الارهابي حسب رأيها، وفي هذا اتهام واضح لدول الخليج العربي، ما يدفع إلى السؤال عما إذا كانت طهران قد دخلت في دائرة العنف الإرهابي الذي يجتاح المنطقة، والذي كانت قد تراجعت وتيرته في الأشهر السابقة، نتيجة الحرب التي تشنّ على الجماعات الإرهابيّة في سوريا والعراق، وعما إذا كانت طهران قد تعمد إلى الردّ في حال تكرّرت تلك الهجمات في المرحلة المقبلة.
من حيث المبدأ، تشير المعطيات الأوليّة إلى أن هذه العمليّات من المرجح أن تستمر، وربما قد ترتفع وتيرتها طالما أنّ القوى الدولية والإقليميّة المعادية لإيران في طور زيادة الضغوط عليها لا تخفيفها، والتي قد تترجم في دعم ما تعتبره معارضة داخليّة للنظام، في حين تلك المعارضة قد تستفيد من هذا الواقع لزيادة وتيرة عمليّاتها العسكريّة، طالما أنّها باتت تحظى بغطاء أو دعم من قبل جهات خارجيّة، ولكن بالمقابل لن تقف إيران في موقع المتفرّج حيث من المتوقع بالأيّام المقبلة الإعلان عن انجازات أمنيّة مهمة تُعيد الثقة للأجهزة الامنيّة والشعور بالأمان للشعب الايراني.
تواجه إيران تحدّيات عديدة في المرحلة الراهنة، داخليّة وخارجيّة، خصوصا ان تحدّيات الداخل لا تقل أهمّية عن تلك الخارجيّة، فهي من جهة ملزمة بحفظ أمنها الداخلي من أيّ تصدّع تتسبّب به العمليّات الارهابيّة، ومن جهة اخرى منهمكة في تحسين وضعها الاقتصادي، بظل الضغوطات الاقتصاديّة المفروضة عليها من أميركا. أما خارجيًّا، فحتى وإن تمكّنت طهران من تخطي نتائج محادثات أوسلو، فهي لن تنعم بالراحة، لأن الاستحقاقات تتوالى، من أوسلو، وصولا الى سوتشي التي تبحث ما تبقى من "الملفّ" السوري، وتشكل بمكان ما الردّ الأمثل على الولايات المتحدة الأميركيّة.