على الرغم من سعي الولايات المتحدة الأميركية إلى التركيز على أن هدف الإجتماع الوزاري، الذي عقد في العاصمة البولنديّة وارسو، هو تعزيز مستقبل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، إلا أن النتيجة الأولية التي خرج بها الإجتماع تظهر أن إسرائيل هي الرابح الأول وربما الوحيد منه، عبر خروج تنسيقها مع بعض الدول العربيّة إلى العلن، في الوقت الذي كانت تسعى فيه تلك الدول إلى إبقاء قنوات الإتصال سريّة.
في خلاصة الإجتماع، التي عبّر عنها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، إيران هي الخطر الأكبر على المنطقة، وبالتالي يجب تعاون مختلف الأفرقاء لمواجهة هذا الخطر، وهذا يعني بصورة مباشرة فتح الأبواب أمام العلاقات المباشرة بين تل أبيب والعواصم العربيّة المتنوّعة، خصوصاً الخليجيّة منها.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو هذا الإجتماع بـ"المنعطف التاريخي"، فهو حقق ما كانت تسعى إليه تل أبيب على مدى سنوات طويلة، أي تحويلها من العدو الأول للعرب إلى الشريك الإستراتيجي في مواجهة العدوّ الجديد، أيّ الجمهورية الإسلاميّة، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم من دون دعم مباشر من واشنطن، لكن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو ما حققته الدول العربية من ثمن من وراء كل ذلك؟.
من حيث المبدأ، لم ولن تحصل الدول العربيّة، التي قررت المجاهرة بالعلاقة والتنسيق مع إسرائيل، على أيّ ثمن عملي، باستثناء المواقف الإعلاميّة التي يعبر عنها المسؤولون في واشنطن وتل أبيب، بالإضافة إلى العقوبات الإقتصاديّة التي تفرضها الولايات المتحدة، والتي نجحت طهران، عندما كانت هذه العقوبات دوليّة، في تجاوزها، بينما هي اليوم أميركيّة بالدرجة الأولى، نظراً إلى أن الدول الأوروبيّة لم توافق على خطوة الإنسحاب من الإتفاق النووي الموقّع مع إيران، لا بل ذهبت إلى الإتّفاق معها على آليّة خاصة للتبادل التجاري لتفادي العقوبات الأميركيّة.
ما يعني أن الدول العربيّة، المتحمّسة للذهاب نحو المواجهة مع إيران، ستكون وحيدة في حال حصولها، بينما تل أبيب ستبقى بعيدة عنها، كما أنها ستكون مصدر تمويل كل النزاعات التي تحصل في المنطقة، وهو ما حصل على مستوى الأحداث السوريّة على سبيل المثال، بينما المواقف الأميركيّة على هذا الصعيد واضحة، وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد عبّر عنها في أكثر من مناسبة، الأنظمة القائمة في هذه الدول يجب أن تدفع الأموال مقابل الحماية التي تؤمّنها لها بلاده، وإلا هي لن تكون قادرة على الصمود.
في المقابل، ستسعى تل أبيب إلى تعزيز التعاون مع تلك الدول العربيّة، الأمر الذي سيساعدها في التسويق لما بات يعرف بـ"صفقة القرن" المرتبطة بالصراع العربي-الإسرائيلي، والتي سيكون لها نتائج كارثيّة على هذا الصراع، من المفترض أن تشمل أيضاً أزمة اللاجئين التي يعاني منها لبنان، ما يعني تأمين مصالحها الأساسية بالدرجة الأولى، وتوجيه ضربة إلى حركات المقاومة في المنطقة.
في قراءة عمليّة لواقع الصراع، الذي يعتبر أولية لدى هذه الدول العربية، إيران ليست في موقع الضعف، نظراً إلى أنها تملك شراكة مع الكثير من القوى الإقليمية والدولية، من روسيا إلى الصين إلى الدول الأوروبية الرافضة للخطوات الأميركيّة، على الرغم من حالة الفوضى التي تسيطر على المسرح العالمي في الوقت الراهن، وبالتالي لا أحد يتوقع أن تكون تل أبيب أو واشنطن في طور التحضير إلى حرب شاملة مع طهران، كما تتمنى تلك الدول.
في المحصّلة، لا نتائج عمليّة لإجتماع وارسو في ما يتعلق بالقضيّة المركزيّة، التي سعى إلى تغطيتها بشكل أو بآخر، أيّ مواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، في حين أن إسرائيل نجحت في الحصول على ما تريده، بالنسبة إلى توجيه بوصلة الصراع في المنطقة نحو طهران.