أعلن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أنه "لن تكون هناك متاريس في الحكومة تشلّ عملها، ولكن في الوقت نفسه هذا لا يمنع أن هذه حكومة وحدة وطنية، كما سُميت، وتالياً تضمّ أفرقاء من مشارب عديدة ولديهم وجهات نظر مختلفة حيال أمورٍ عدة""
وفي حديث صحافي راى جعجع أن "ثمة فالقيْن أساسييْن في هذه الحكومة، أي خطّا فصْل رئيسيان. الفالق الأول على المستوى السيادي الذي يتعلّق بالقرار الاستراتيجي العسكري - الأمني والسياسة الخارجية والنأي بالنفس. وهنا يتموْضع فريقٌ ما زال على ثوابته وهو "14 آذار"، وفريقٌ آخَر يتمثل بقوى 8 آذار، وهناك أيضاً فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يتأرجح حيال بعض المواقف بين هنا وهناك. أما الفالق الثاني، أو خطّ الفصل الثاني، فهو على طريقة إدارة الدولة. وهنا يختلف اللاعبون من خطّ فصْل وخطّ فصْل آخَر، أي توجد أكثر من وجهة نظر حيال كيفية إدارة الدولة، بينها تلك التي كانت سائدة خصوصاً في العامين الماضيين والتي عبّر عنها "تيار المستقبل" وفريق رئيس الجمهورية من خلال طريقةٍ معيّنة لإدارة الدولة. ويوجد فريقٌ آخر، وفي طليعته "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، يطالب باعتماد طريقة مختلفة لإدارة الدولة. وتالياً هذه هي مكوّنات الحكومة مع تمايُزاتهم المختلفة. ولكن هذا لا يعني أنه ستكون هناك متاريس قائمة كل الوقت لمجرّد تبادُل الاتهامات، بل الأمور ستكون مطروحةً للنقاش للوصول إلى الحلول الناجعة".
ولفت جعجع الى ان "تأديتُنا دور شرطي الفساد ليس بحثاً عن دور ضائع على الإطلاق وهذا باعتراف كل القوى السياسية والمراقبين من دون استثناء الذين يعتبرون أن لبنان يعاني الكثير من المشكلات، ولكن أكثر ما يعانيه هو الوضع الاقتصادي والمالي والواقع على مستوى إدارة الدولة، وتالياً فهذه أولوية قصوى . ومن هنا انبرينا في الوقت الراهن - من دون أن نغفل أو نهمل الجوانب الأخرى وفي طليعتها الحانب السيادي - الى محاولة التأثير في أخْذ الأوضاع الاقتصادية والمالية وإدارة الدولة باتجاه مختلف عما كانت عليه"، مشيرا الى انه "في ما يتعلّق بتفاهم معراب فهو في بعض الأوقات "على القِطعة"، أما بالنسبة إلى العلاقة مع "تيار المستقبل" فهو ما زال على اقتناعاته ونحن كذلك، وقد تختلف الأمور في المقاربة، لجهة مستوى رفْع السقف هنا أو خفْضه هناك أو في أي موقعٍ نواجه وفي أي موقعٍ لا نواجه. ورأْيُنا معروف، ومن هذه الناحية كل تحالفاتنا ما زالت قائمة مع التمايُزات الموجودة من ضمن كل تحالُفٍ من هذه التحالفات".
ورفض جعجع تسمية الحكومة بحكومة حزب الله مؤكدا ان "الانتخابات النيابية الأخيرة أسفرتْ عن تقدُّم بسيط لـ "حزب الله" وحلفائه، ولكن هذا لا ينبع عن تغيُّر في موازين القوى الشعبية، بل مردّه في شكل أساسي إلى أن الفريق السيادي عانى شرذمة شديدة، وخاض كل طرف فيه الانتخابات لوحده باستثناء نحن والحزب التقدمي الاشتراكي، وحيث كنا معاً حققْنا نتائج جيدة جداً"، مضيفا: "في رأيي أن حتى هذا التقدم البسيط لـ "حزب الله" وحلفائه في البرلمان ليست له ترجمة سياسية. فبالرغم من ذلك، هل كان بإمكانهم الإتيان برئيس حكومة غير سعد الحريري؟ لا، وإلا لماذا لم يأتوا بسواه؟ لأن فروقاتٍ (في النتائج) بهذا المستوى البسيط لا تجعلهم قادرين على تخطي الثوابت وتحديداً أن سعد الحريري هو الأكثر تمثيلاً ومن بعيد في طائفته، وكذلك الأمر بالنسبة الى ثوابت أخرى ليس باستطاعتهم القفز فوقها".
وحول كلام النائب نواف الموسوي عن أن "بندقية المقاومة" هي مَن أوصلت الرئيس ميشال عون الى رئاسة الجمهورية أوضح جعجع أن "الموقف الرسمي لـ "حزب الله" هو الذي صدَر عن رئيس كتلة نواب الحزب، والذي جاء بعد دراسة وعن سابق تصوُّر وتصميم. وبالتالي لا نعير أي أهمية للكلام الذي اطلقه نائبٌ في كتلة "حزب الله" وكان في غير محلّه ولم يكن في سياقه. ويمكننا أن نعتبر أن ما قاله هذا النائب كان كلاماً عابراً ولا يمثّل وجهة النظر الرسمية لحزبه، بينما الموقف الذي طُلب تسجيله في محضر جلسة البرلمان هو الكلام الرسمي"، مشيرا الى ان "الرئيس الراحل بشير الجميل، وإذا أجرينا استطلاع رأيٍ اليوم في أوساط كل الشعب اللبناني، نجد أنه ما زال أكثر شخصية تتمتع بالشعبية وذلك رغم مرور نحو 37 عاماً على استشهاده. والجميع يذكرون الفرحة التي عمّت كافة المناطق اللبنانية بعد انتخابه رئيساً للجمهورية العام 1982. ولا أحد في المناطق الحرّة حينها ينسى ما جرى بعيد الانتخاب والاحتفالات التي سادت، كما لا أنسى ما جرى في المناطق الأخرى ولا وفود المهنئين الكبيرة من كافة الطوائف ومن مشايخ"، مضيفا:"بشير الجميل جاء رئيساً بقوته الشعبية وبإرادة اللبنانيين الذين كانوا ينظرون إليه كحلمٍ يريدون أن يتحقق ولا سيما أن الحرب كان مرّ عليها آنذك 7 سنوات، وكانوا توّاقين إلى أن يتبوأ سدة الرئاسة ليوصلهم الى شاطىء الأمان والى الدولة التي يريدونها والتي أرادها الشيخ بشير لهم. وتالياً بشير الجميّل انتُخب رئيساً بهذه القوة ولهذه المعاني وليس بقوة دبابة اسرائيلية، وصودف أن حصل ذلك بوجود الدبابة الاسرائيلية ولكن لم تكن هي السبب في وصوله بل التأييد الشعبي العارم والقدرة السياسية الهائلة التي تَمتّع بها".
وراى جعجع ان "البعض يَعتبر أن الأمور يمكن ان تُحلّ بالضربة القاضية، أي بمعارضة تذهب حتى النهاية بمعنى ان تُحْدِث موجةً تُسْقِط وضعاً معيّناً كما حصل في بعض الدول. وهذا ما يدعو إليه البعض. ولذا، كنتُ أقول إن مثل هذا الأمر "يفرط" البلد ولا يؤدي إلى الخلاص من المشكلة التي نواجهها. وفي رأيي أنه لا يمكن أن نربح معركتنا إلا بالنقاط، أي معارضة بالنقاط بحيث نشارك ونحاول أخْذ الأحداث في الاتجاه الذي يتلاءم مع اقتناعاتنا. أما إذا أردنا السير بالمسار الذي ينادي به البعض أي نحو معارضة بالضربة القاضية فهذا سيكون خطأ كبيراً لأن ثمة احتمالاً كبيراً لأن يؤدي ذلك إلى ما لا تحمد عقباه".
وراى ان "مجرّد وجود "حزب الله" بالشكل الحالي يشكّل في ذاته عائقاً كبيراً وأساسياً في طريق قيام الدولة في لبنان، وهذا تحصيل حاصل. ولكن إذا شاءتْ الظروف أن يكون الحزب ممثَّلاً في البرلمان نتيجة انتخاباتٍ جدية جرتْ، وبالتالي أن يكون له تمثيل في الحكومة، وإذا صودف مثلاً في مسألة كبواخر الكهرباء، أن كان موقف الحزب مماثلاً لموقفنا، ماذا نقول؟ هل نتنكّر لهذا الأمر ونتجاهله؟ في بعض الأمور يحصل تَقاطُع بالمواقف، ولكن هذا لا ينفي الهوة السحيقة الموجودة بيننا وبين "حزب الله" في ما خصّ المشروع السياسي الأساسي. وتالياً يجب أن نعطي لكل شيء حقه. وعلى المستوى الاستراتيجي نقول ما يجب أن يقال، وعلى الصعيد التكتي لستُ مع الشيْطنة دائماً وعلى طول الخطّ، بل "كل شغلة بشغلتها".
واعتبر جعجع انه بين "كلام السيد حسن نصر الله وزيارة وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف قُدمت عروض كثيرة سأتوقف عند 2 منها لإظهار انها عروض إعلامية ودعائية لا أكثر. ففي ما يتعلّق بتزويد الجيش اللبناني بدفاعات جوية إيرانية، لو كانت هذه الدفاعات موجودة - وإذا كان أحد يريد تزويد الجيش اللبناني بها فلحماية أجواء لبنان من الطائرات الاسرائيلية - لماذا لا يستخدمونها لمواجهة الاعتداءات والغارات الاسرائيلية المتكررة عليهم تحديداً في سوريا؟ وتالياً هذا طرْح غير حقيقي"، مضيفا:"أما في ما خص الأدوية، فتبيّن أن السوق اللبنانية أصلاً مفتوحة لكل الأدوية من جميع الدول، ولكن كي يدْخل دواء هذه السوق ينبغي أن تكون لديه مواصفات معيّنة وأن يتمّ تسجيله في وزارة الصحة. ومِن كل الأدوية المصنَّعة في إيران هناك دواءان تمكّنا من الحصول على ترخيص وهما موجودان في السوق اللبنانية، أما بالنسبة الى الأدوية الأخرى فلا يمكن أن تكون مسجّلة وذلك انطلاقاً من المعايير الدولية التي يعتمدها لبنان لتسجيل أيّ دواء أكان من إيران أو تركيا أو مصر أو غيرها. والأدوية التركية مثلاً، أيٌّ منها تقريباً ليس مسجَّلاً في السوق اللبنانية، لأنه لا يتوافق مع المعايير الدولية التي يتّبعها لبنان. وتالياً هل يعْرضون علينا أدوية لا يمكن إدخالها الى لبنان؟ أكيد هذا طرح غير واقعي، وأصلاً السوق اللبنانية ليست مقفلة على الأدوية الايرانية، وهم يطلبون منا القفز فوق القانون والمعايير وأن نُغْرق سوقنا بأدوية لا نعرف مدى فاعليتها ولا جودتها".
ولفت جعجع الى ان "مشكلتنا الفعلية في الأدوية عكسية، إذ تبيّن أن صناعة الدواء اللبناني من الأكثر تطوراً، وتضاهي حتى بعض المَعامل الأوروبية ولكن ما ينقصنا هو الأسواق الخارجية انطلاقاً من المنافسة الدولية الكبيرة. ومن هنا إذا أرادتْ إيران أن تخدم لبنان في هذا المجال فلتفتح سوقها للدواء اللبناني وليس العكس، لأن لديه المواصفات والشهادات العالمية المطلوبة، ومن جهة أخرى جودتُه مشهودٌ له بها".
وشدد جعجع على ان "هناك تَوَجُّه سعودي متزايد لعدم ترْك الساحة اللبنانية والاهتمام قدر الإمكان بها بالرغم من انشغال المملكة في الوقت الحاضر بعدة ساحات أخرى في المنطقة"مؤكدا انه "في ما يتعلق بالمواجهة في المنطقة فحتى إشعار آخر هي جدية، وليس بالضرورة ان تتحوّل الى عسكرية، وربما تتحوّل. ولكنها مواجهة جدية على المستوى السياسي والاقتصادي. أما أفقها لاحقاً، فلا أدري"، مؤكدا انه "في ما خص سياسة النأي بالنفس، فلا بديل عنها ولسنا مستعدّين للتخلي عنها تحت أي ظرف. لأنه خارج هذه السياسة "خراب بخراب". اما عن قول السيد نصر الله أنه لن يترك إيران وحيدة، فهو شخصياً يمكنه ألا يتركها، ولكن الدولة اللبنانية لا يمكنها أن ترهن مستقبل شعبها لتدْعم أي محور خارجي".