بتسلم الوزير محمد شقير وزارة الاتصالات، تبدأ مسؤولية ومهمة لعلّها الأكثر دقة في تسيير الوزارات الخدماتية أو حتى السيادية الأُخرى، فـ»الاتصالات» هي منجم الدولة إن أحسنت إدارتها، وهي مزراب الهدر إن هدرت مواردها، في اعتبار أنها قادرة على تأمين نحو 20 في المئة من واردات الدولة.
يأتي شقير الى وزارة الاتصالات في وقت لم تتحسّن خدمات الهاتف الثابت ولم تصل خدمات الهاتف الخلوي الى مستوى الطموح والوعود التي أُطلقت، وفيما لم يتمّ الالتزامُ بموعد وصول خدمة «الفايبر اوبتك» الى المواطنين، مع ما يعرفه الجميع عن أهمية هذه الخدمة في عصر الاتصالات.
في وزارة الاتصالات أسئلة كثيرة يطرحها خبراء مطّلعون على الأرقام والخطط الموضوعة للتطوير، وحسب أرقام وزارة المال، فقد تدنّت واردات وزارة الاتصالات عام 2017 مقارنة بالعام 2016 بنسبة 27 في المئة.
كذلك تدنّت واردات عام 2018 مقارنة بالعام 2017 بنسبة 39 في المئة، وهذا ما نفاه شقير، لكنّ الأرقام صادرة عن وزارة المال.
والسؤال كيف سيتعاطى شقير مع هذا الأمر؟ وكيف سيعالج إمكانية تحسين وضع المالية العامة للدولة في الوقت الذي تنهار واردات وزارة الاتصالات، وهي ثاني مصدر مالي للخزينة العامة بعد الجمارك وقبل الضريبة على القيمة المضافة؟
يقول خبراء إنّ شقير من أصحاب نظرية الاعتماد على القطاع الخاص، وينتظره مشروع مشاركة هذا القطاع مع القطاع العام في تطوير «الاتصالات»، فهل سيتّخذ التدابيرَ الإشكالية نفسها التي اتّخذها الوزير جمال الجراح الذي لزّم مجاناً قطاع الاتصالات لشركات خاصة (GDS, TriSat, Waves) وأعطاها بلا مقابل إمتيازات مجانية بلا أجل مسمى ومن دون فترة زمنية محددة لتمديد شبكات ألياف ضوئية في البنى التحتية التابعة للدولة ووزارة الاتصالات، بحيث سُحبت السجادة من تحت أقدام شركة «إتصالات لبنان» قبل ولادتها واستولت الشركات الخاصة الصديقة على السوق خلافاً للقانون؟
ويشير هؤلاء الخبراء الى أنّ أوّلَ شرط يجب أن تنفّذ في هذا المجال قبل إشراك القطاع الخاص في قطاع خدمات عامة هو أن يتمّ الامر بنزاهة وشفافية، وهذا يستدعي حضور هيئات ناظمة قوية وقادرة ينصّ عليها قانون الاتصالات الرقم 431 الذي أعدّه الرئيس رفيق الحريري وأصدره عام 2002. فهل سيعمل شقير على تجميد تراخيص القطاع الخاص والعمل فوراً على تعيين مجلس إدارة الهيئة الناظمة للاتصالات قبل أيّ أمر آخر؟
جملة أسئلة أخرى تطرح حول خطة شقير، فالإصلاحات التي نصّ عليها مؤتمر «سيدر» تدعو صراحة الى تنفيذ القانون 431 الصادر عام 2002، أي إنشاء شركة «إتصالات لبنان» وتعيين الهيئة الناظمة للاتصالات، قبل أيِّ عمليات خصخصة لقطاعات خدمات الإنترنت والألياف الضوئية ونقل المعلومات، وهذا يرتّب على شقير مسؤولية اتّباع خريطة طريقة لضمان الاستفادة من القطاع الخاص من دون تمكينه من الاستيلاء على قطاع الاتصالات.
وحسب الخبراء أنفسهم فقد صرف خلال العامين 2017 و2018 على مشاريع في الخلوي لدى شركتي «تاتش» و«ألفا» مئات الملايين من الدولارات، فهل سيستمر شقير في الإنفاق الاستثماري؟ وهل يستطيع أن يؤكد أنّ هذه المشاريع ستكون لها تأثيرات إيجابية على نوعية الخدمات الخلوية وتغطيتها، أم ستستمرّ الخدمات بهذه النوعية السيّئة على رغم كل هذا الإنفاق؟
أما في موضوع هيئة «أوجيرو» فيقول الخبراء إنّ مئات الملايين من الدولارات صرفت خلال العامين 2017 و2018 من دون أن يؤدي ذلك الى تسريع خدمات الإنترنت وتحسين نوعيّتها، هذا فضلاً عنه أنه تمّ توظيف ما يفوق 1100 موظف مياوم في «أوجيرو» في العامين 2017 و2018 وهذا الأمر تمّ قبل الانتخابات النيابية مباشرة، ما يعني أنّ هذا التوظيف هو توظيف سياسي.
أما عن مكافحة الفساد والهدر، فيقول الخبراء المطلعون إنّ هناك 8 إخبارات وشكاوى قانونية موجودة لدى المدّعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، وقدّمها الوزير نقولا تويني في شأن مخالفات مالية جسيمة مرتكبة في «أوجيرو». فهل سيسهّل شقير عمل القضاء والسماح له بالحصول على كل المعلومات والمستندات التي يطلبها؟ أم أنه سيتصرّف كما كان يحصل سابقاً برفض طلبات القضاء؟ علماً أنّ الإعلام تحدث عن تجاوزات كبيرة في «أوجيرو» في شأن العقود والصفقات وأكلاف المستشارين والرواتب وتعويضات المسؤولين والمديرين والمدير العام وعقود الألياف الضوئية ونظام الفوترة وحملات الإعلانات وتغيير «اللوغو»، لكنّ أهمّها كان فضيحة تبديد أموال تعويضات نهاية الخدمة للموظفين في «أوجيرو» والبالغة 116 مليار ليرة لبنانية. وقد فتح القضاء هذا الملف لكنّ هناك مَن حاول إعاقة التحقيقات وهذا ملفّ كبير تسلّمه شقير فكيف سيتصرف؟
وتنتظر شقيرـ حسب الخبراء، استحقاقات من نوع آخر بعضها مرتبط بمؤتمر «سيدر»، فخلال السنتين الماضيتين 2017 و2018 تمّ استبعاد كل الشركات الأجنبية الموردة للتجهيزات والبرمجيات في شركتي «تاتش» و«ألفا» و«أوجيرو» لمصلحة شركة موردة واحدة هي الشركة الصينية «هواوي»، التي أصبحت تقريباً الشركة الوحيدة التي تجهّز شركتي «الخلوي» و«أوجيرو» بالسنترالات الذكية ومحطات الخلوي وأبراج البثّ والألياف الضوئية وأنظمة الفوترة والمساندة التقنية وتجهيزات الإنترنت، بعقود لها وحدها بقيمة 1200 مليون دولار، في حين أنّ كبريات الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وسويسرا وبريطانيا وبلجيكا وبريطانيا والدانمارك والسويد قد أوقفت التعاقد مع الشركة الصينية «هواوي» بسبب مخاوف وتهم ووقائع ترتبط بتنصّت هذه الشركة على معطيات الشبكات والمشتركين وتسريبها إلى الدوائر المخابراتية والعسكرية والتنصتية، فما هو موقف الدول المانحة في مؤتمر «سيدر» من هذا الموضوع تحديداً المتعلق بشركة «هواوي» علماً أنّ هذه الدول أعلمت الدوائر المختصة بعدم رضاها عن موضوع التعاقد الحصري مع «هواوي»؟
وتنتظر شقير أيضاً ورشة كبيرة في «اوجيرو»، فحسب الخبراء المطلعين تقرّر، وبنحو مخالف لكل القوانين والأنظمة والأصول والأعراف والأجهزة الرقابية، زيادة راتب أحد مسؤولي «أوجيرو» من دون علم مجلس الوزراء ووزارة المال وديوان المحاسبة العمومية. فارتفع راتبه من 9 ملايين ليرة شهرياً إلى 51 مليون ليرة، فيكون أعلى راتب على الإطلاق في كل القطاع الرسمي اللبناني بدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب والوزراء والنواب والقضاة والمدراء العامين، بحيث بلغ إجمالي ما قبضه من «أوجيرو» بنحو مخالف لكل القوانين والأنظمة خلال العامين الفائتين (الراتب وبدل الاختصاص والساعات الإضافية وبدلات النقل ومنحة الإنتاج السنوية والشهرين 13 و14 والمنح التعليمية) مليون وثلاث مئة وخمسين ألف دولار أميركي.
غيض من فيض ومعلومات كثيرة عن هدر واستباحة للمال العام، فهل سيوقف شقير هذا المسلسل بعدما وعد في حلقته التلفزيونية قبل أيام بالشفافية والإنتاجية بعد أن يكون قد درس ملفات وزارته؟