لم يُحسم النزاع في جلسة المحاكمة الثالثة بين المقدم سوزان الحاج والمقرصن الإلكتروني إيلي غبش. إفادة يقابلها إفادة ودليل يُقابله دليل وشاهد يُقابله شاهد. الثابت الوحيد براءة زياد عيتاني واعتراف غبش، لكن المحكمة لا تزال تبحث عن دور الحاج: من طلَب مِن الآخر اختلاق الجريمة أو من عرض فبركتها؟
ست ساعات دامت الجلسة الثالثة لمحاكمة المقدم سوزان الحاج والمقرصن إيلي غبش. بالزخم نفسه، بدأ رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبدالله الاستجواب. استعاد مقتطفات من إفادة الموقوفين في الجلسة السابقة منذ أسبوعين، لإنعاش الذاكرة قبل أن يغوص مجدداً في ملف التحقيق. الثابت لدى هيئة المحكمة أنّ الممثل المسرحي زياد عيتاني بريء والمقرصن الإلكتروني اعترف بفبركة جرم العمالة له، لكنّ مسار المحكمة والتحقيقات المجراة تهدف إلى تحديد شيءٍ واحد: حجم تورّط المقدم سوزان الحاج. من طلَب من الآخر اختلاق الجريمة؟ هل حرّضت المقدم الحاج المقرصن لتلفيق الجرم أم أنّ المقرصن غبش عرض عليها فقبلت؟ هل كانت تعلم المقدم الحاج بأنّ الجريمة مفبركة ورضيت بذلك وشجّعته أم أنّها فقط طلبت منه إيجاد دليل على أي جرم موجود؟ الاستجواب القائم يدور حول العثور جوابٍ واحد لسؤال وحيد، غير أنّ جولات النزال بين المقدم والمقرصن لم تنتهِ بعد. قد تكون الحاج ربحت في الجولة الأولى، ليعادلها غبش في الجلسة الثانية. أما نتيجة الجلسة الثالثة أمس فكانت التعادل.
استهل العميد الجلسة بالاستماع إلى غبش عند الحادية عشر تقريباً. استعاد معه المواقع التي قرصنها. وسأله عمّا جرى معه خلال توقيفه، فردّ: «اتُّهِمت بخرق أوجيرو لمصلحة إسرائيل». لم يقبل غبش التهمة لأن لديه العديد من «الإنجازات التي تستهدف العدو الإسرائيلي»، وأضاف: «سألني المُحقق في فرع المعلومات عن إنجازاتي ضد إسرائيل، فأجبته». علّق العميد قائلاً: «عندها أرشدته إلى ملف زياد عيتاني». استمعت هيئة المحكمة إلى إفادة ضابط في أمن الدولة بشأن توقيف آيزاك دغيم. كما استمعت إلى إفادة كل من الرقيب أوّل إيلي برقاشي والمؤهل جبران ميسي والممثل المسرحي زياد عيتاني وحنين قزيحة، زوجة إيلي غبش، على سبيل الشهادة للاستئناس. غير أنّ القول الفصل كان لمضمون المحادثات الموجود بين غبش والحاج. هذا الدليل الذي يعود إليه رئيس المحكمة عند كلّ مفترق.
بتمام الثانية عشرة، وقفت المقدم الحاج أمام هيئة المحكمة. استعاد رئيس المحكمة الطلبات السابقة. أعلن أنّ أمن الدولة زوّدوا المحكمة بفيديو يتضمن استجواب عيتاني أمام أمن الدولة. كما عرض مستنداً من قبل قيادة أمن الدولة ردّاً على استفسار المحكمة بكون عيتاني محل رصد ومتابعة، يفيد: «لم يكن عيتاني موضوع ملاحقة قبل عامين، إنما بعد ورود تعليقات في ٩ تشرين الأول ٢٠١٧ على وسائل التواصل الاجتماعي يُدافع فيها عن المخرج زياد الدويري، تمّ رصده لمتابعة نشاطه من دون القيام بأي إجراء». أثار هذا البيان جلبة في صفوف المحامين الذين تحدّثوا عن بيان رسمي صادر عن المديرية يؤكد أنّ عيتاني كان موضع ملاحقة.
بدأ بعدها استجواب الحاج التي أصرّت على أنّها لم تطلب من غبش فبركة جرم. هنا علّق رئيس المحكمة: «من خلال متابعتك ومواكبتك شبه اليومية يظهر أنّك كنت تعلمين وسكتّي». وبرز في إفادة الحاج قولها: «لم يُقرصَن موقع الداخلية وشركة Omsar، فكيف أوقف غبش؟ كيف تأسس محضر التحقيق لدى فرع المعلومات؟» (بعد إحالة ملف عيتاني إليه، أوقف فرع المعلومات غبش بذريعة قرصنة الموقعين). فردّ رئيس المحكمة أنّه لا يستجوب فرع المعلومات، إنما المقدم الحاج. أضافت الأخيرة أنّها لم تسأل أبداً عن زياد عيتاني، فسألها رئيس المحكمة عن سبب إرسالها لغبش صور خمس صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي عائدة لعيتاني ورضوان مرتضى، لترد بأنّ ذلك «تم بناء على طلب غبش الذي يريد السؤال عنهما».. تدخّلت ممثلة النيابة العامة مايا كنعان لتسأل: «ليه عم يحطّك بالجو بكل شي؟»، فردّت الحاج: «ممكن بيعتبرني شخص مهم وبلكي هيك عم يعبّر عن عاطفة غرائزية». كذلك بقيت حقيقة ما جرى في اللقاء الذي جمع غبش بالحاج في أحد المقاهي ملتبسة. وفيما أكّد غبش أنّه سلّم الحاج تقرير عيتاني المفبرك، ردّت بأنّه سلّمها تقريراً يتعلّق بالشركة التي تنوي تأسيسها.
كذلك سُئلت: «عندما أخبرك أنّه يحضّر ملفاً لعيتاني، لماذا لم تطلبي منه التوقف؟»، فردّت: «كيف يمكن أن أقول لمخبر جهاز أمني أن يتوقّف عن متابعة شخص عليه شبهة تعامل؟». كذلك سئلت الحاج عن الجانب الفني للتقرير المفبرك، فردّت بأنّ نصف ساعة تدقيق كان كفيلاً باكتشاف أنّه مفبرك. كذلك استندت الحاج إلى تقرير فرع المعلومات الفني لتؤكد أنّ حساب «نيللي»، الذي أوقِف عيتاني بتهمة التواصل معه، لم يكن إسرائيلياً، بل تحوّل إلى إسرائيلي بعد توقيفه.
في جلسة الأمس، استُدعي عيتاني للشهادة. أكّد رئيس الحكمة على براءته قبل أن يسأله: «كيف اعترفت بموضوع مختلق؟». تحدث عيتاني عن تعرضه للضرب والتعذيب والتهديد، مشيراً إلى مخالفتهم القانون بالقول: «لم يُطلَب لي طبيب شرعي». وأضاف عيتاني: «للهرب من الضرب، اختلقت هذا السيناريو». سأله العميد، لماذا كررت الاعتراف أمام مفوض الحكومة بيتر جرمانوس؟ فردّ بأنه كان خائفاً من أمن الدولة. هنا علّق العميد: «وقت بدك تبلّش تعترف، اختصر». عندها سرد عيتاني ظروف توقيفه، واصفاً محضر أمن الدولة بالمزوّر. سُئل عيتاني عن أصل القضية بشأن نسخ إعجاب الحاج بتغريدة شربل خليل (المسيئة للنساء السعوديات، والتي تسببت بإقالة الحاج من رئاسة مكتب جرائم المعلوماتية). فسرد روايته قبل أن يتدخّل المحامي زياد حبيش والمقدم الحاج لمقاطعته واصفين روايته بأنّها كاذبة. هنا تدخّل رئيس المحكمة. تحدث عيتاني عن أحد عناصر أمن الدولة الملقب بـ«مسي» الذي أخبره أنّ عليه إنصاف المقدم الحاج. وذكر أنّ عنصر أمن الدولة نعته بالجبان لأنّه انساق بسرد كل هذه الاعترافات. هنا استُدعي المؤهل جبران ميسي للشهادة. نفى أن يكون قد أبلغ زياد عيتاني بما تقدّم، وادّعى أنّ كل ما أدلى به عيتاني كان كذباً وقائلاً: «عندما جاؤوا لنقله من مركزنا. غمرني وبكى وقال لي: يا غابي ما تخليهن ياخدوني».
كذلك استُدعيت زوجة غبش، حنين قزيحة، للاستماع إلى شهادتها. تحدثت عن عرض مالي قدمه لها زياد حبيش والمقدم الحاج في مقابل تراجع زوجها عن إفادته لمصلحة الحاج. وذكرت أنّها التقت حبيش في منزل والده في كفرحباب ليؤكد لها العرض، كاشفة أنّه عرض عليها راتباً شهرياً بين ٨ آلاف و١٠ آلاف دولار ودفع ثمن المنزل ودفعة أولى قدرها ٥٠ ألف دولار.
كباش الحاج وغبش لم يكن الحدث الأوحد، على رغم أنّه يحصل على مرأى ومسمع من هيئة المحكمة والمحامين والإعلاميين. خلف الحضور كانت تقع معركة صامتة بطلاها والد سوزان الحاج ووالد إيلي غبش. جلس الرجلان متقابلين كلٌّ في جهة، من دون أن يلتفت أحدهما إلى الآخر. الأول وهو عسكري متقاعد، جلس متوتّراً مشدود الأعصاب يفرك يديه مراقباً ابنته التي تُحاكم أمامه. يُقطّب حاجبيه تارة وتنفرد أساريره تارة أُخرى تبعاً لملامح ابنته الماثلة بين يدي هيئة المحكمة أو لحركات وكلائها. والد غبش، بلحيته البيضاء الطويلة، لم يكن أفضل حالاً. جلس مراقباً ابنه بالحرص نفسه. وإن بدا أكثر هدوءاً، لكنّ عينيه كانتا تفضحان بركاناً يشتعل داخله. فالرجل الذي كان طريح الفراش والمرض، فُجِع بولديه الضابط بشير (طُرِد من الجيش بعد اتهامه بفبركة ملف تعامل مع العدو لعسكري متقاعد يُدعى إيزاك دغيم) والمقرصن إيلي بضربة واحدة. الفارق الوحيد أنّ والد الحاج كان يرافق ابنته ويجلس إلى جانبها متى شاء، فيما والد إيلي اقتنص اللحظة ليسارع ليسّلم على ابنه الموقوف منذ أكثر من أحد عشر شهراً. سأله عن حاله، فردّ بأنّها ممتازة وبدت تعابيره أنّه كمن يعتب على والده لقدومه. ربما لا يُريد له أن يُشاهده في الحال التي هو عليها. لم تكد الساعة تتجاوز الخامسة من بعد الظهر، حتى رفع العميد عبدالله الجلسة معلناً إرجاءها إلى ٢١ آذار المقبل.