مرة جديدة يعود ملف النازحين السوريين ليتصدّر واجهة الأحداث السياسية في لبنان، بسبب الخلاف بين الأفرقاء المحليين حول طريقة معالجة هذا الملف، بين فريق يدعو إلى التنسيق مع دمشق بشكل مباشر، وآخر يرفض هذا الأمر بالمطلق على قاعدة رفضه منح "الشرعية" لنظامها من البوابة اللبنانية.
ما حصل على طاولة مجلس الوزراء، أول من أمس، دليل على أن الحكومة اللبنانية لا تملك رؤية مشتركة حول هذا الملف، لا بل لدى أركانها رؤية متناقضة لا يمكن أن توصل إلى نتيجة في المدى القريب، لكن الأساس هو السؤال عن موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، فالداعين إلى التنسيق مع الحكومة السورية يروجون إلى نظرية مفادها أن الحريري يمارس سياسة "غض النظر"، بينما الرافضين، لا سيما حزب "القوات اللبنانية"، يؤكدون أن رئيس الحكومة يتبنى موقفهم.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن المشكلة لا تكمن في الزيارة التي قام بها وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب إلى العاصمة السوريّة، بل في مكان آخر يعود إلى ضرورة أن يكون هناك سياسة واضحة من جانب الحكومة اللبنانية لا تقبل الشك، كي لا تتكرر الخلافات التي تظهر بين الحين والآخر، نظراً إلى أنه في ظلّ الواقع الحالي لا يمكن الوصول إلى نتيجة.
من وجهة نظر هذه المصادر، ليس هناك أمام لبنان لمعالجة هذه المشكلة إلا التواصل مع الحكومة السوريّة، على عكس ما يحاول البعض الترويج له عبر "التلطّي" خلف المبادرة الروسيّة، حيث تؤكد أن هذا المبادرة عالقة في دوامة عدم توفر التمويل اللازم لها، بينما موسكو لا تملك القدرة على تغطية ذلك، وبالتالي هي تنتظر، في حال كانت لا تزال على قيد الحياة في الأصل، التوافق الدولي والإقليمي حولها، الغائب بسبب ربط الدول الغربيّة بين عودة النازحين والعملية السياسيّة.
وبالتالي، تشدّد المصادر نفسها على أن ليس هناك من مبادرة فعليّة أمام الحكومة اللبنانيّة، ما يعني ضرورة التنسيق مع دمشق بشكل أو بآخر، وتلفت إلى أن الآليّة السابقة التي كانت معتمدة لا يمكن أن توصل إلى نتيجة فعليّة، نظراً إلى أن أعداد المغادرين لا تزال ضئيلة، وترى أن التواصل المباشر مع الحكومة السوريّة، على المستوى الرسمي، من المفترض أن يساعد في رفع هذه الأعداد، خصوصاً أن هذا الأمر من المفترض أن يتمّ مع نهاية العام الدراسي الحالي، نظراً إلى أن معظم العائلات النازحة في لبنان لن تفضل المغادرة قبل ذلك.
في هذا الإطار، تكشف مصادر نيابيّة في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، أن حزب "القوات اللبنانية" هو الوحيد الذي يرفع لواء المعارضة العلنيّة بهذا الشكل، في حين أن رئيس الحكومة أقصى ما يسعى إليه هو عدم إحراجه بشكل علني، والدليل أنّه كان في جو زيارة الغريب الأخيرة، وتؤكد وجود إتفاق، منذ ما قبل تشكيل الحكومة، على أنّ هذا الملف سيكون أولويّة في المرحلة المقبلة، وهو ما كان يُصرّ عليه "التيار الوطني الحر" بشكل علني منذ اليوم الأول الذي تلى الإنتهاء من الإنتخابات النيابية الأخيرة.
وتشدّد هذه المصادر على ضرورة الإنتهاء من الواقع الحالي بأسرع وقت ممكن، حيث لا يمكن الإستمرار في السجال حول هذا الملفّ في كل مرة يقرّر فيها أحد الوزراء زيارة دمشق لبحث أيّ ملف، خصوصاً ملف النازحين السوريين، نظراً إلى أن المطلوب وضع آلية على المدى الطويل يبدأ العمل بها فوراً، وتضيف: "هنا ربما على رئيس الحكومة حسم موقفه بشكل واضح، فلا أحد يطلب منه زيارة دمشق أو التنسيق مع رئيس حكومتها، بل ترك الوزير أو الوزراء المعنيين القيام بواجباتهم من دون أي مزايدة سياسية عليهم".
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها أن كل المزايدة الحاصلة لن تغيّر من الوضع الجديد القائم، التنسيق مع دمشق لمعالجة ملف النازحين بات حاجة لا غنى عنها في الوقت الراهن، لا سيما أن المطروح هو العودة الآمنة، وتسأل: "أين المصلحة اللبنانية في إنتظار توافق الدول الكبرى على الحل السياسي لمعالجة هذه الأزمة"؟.